ولما وصف منزل الفرقان بما لا يحيط به علم أحد غيره من الشؤون، فاتضح بذلك إعجاز المنزل الذي أبان ذلك، وهو هذا القرآن، وأنه وحده الفرقان، عجب من حال المكذبين به فقال موضع وقالوا : وقال الذين كفروا مظهرا الوصف الذي حملهم على هذا القول، وهو ستر ما ظهر لهم ولغيرهم كالشمس والاجتهاد في إخفائه: إن أي ما هذا أي القرآن إلا إفك أي كذب مصروف عن ظاهره ووجهه هو أسوأ الكذب افتراه أي [ ص: 339 ] تعمد كذبه هذا النذير، فكان قولهم هذا موضع العجب لكونه ظاهر الخلل.
ولما كان الإنسان مطبوعا على أنه يتكثر بأدنى شيء من المحاسن فيحب أن تظهر عنه ولا ينسب شيء منها إلى غيره، كان أعجب من ذلك وأظهر عوارا قولهم: وأعانه أي محمدا عليه أي القرآن قوم أي ذوو كفاية حبوه بما يتشرف به دونهم; وزادوا بعدا بقولهم: آخرون أي من غير قومه; فقيل: أرادوا اليهود وقيل: غيرهم ممن في بلدهم من العبيد النصارى وغيرهم، فلذلك تسبب عنه قوله تعالى: فقد جاءوا أي الكفار في ذلك ظلما بوضع الإفك على ما لا أصدق منه ولا أعدل وزورا أي ميلا مع جلافة عظيمة عن السنن المستقيم في نسبة أصدق الناس وأطهرهم خليقة، وأقومهم طريقة، إلى هذه الدنايا التي لا يرضاها لنفسه أسقط الناس، فإنها - مع كونها دنيئة في نفسها - مضمونة الفضيحة; قال وأصل الزور تحسين الباطل وتأويل الكلام. ابن جرير