قوله تعالى : " فلما جاء أمرنا " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أمر الله الملائكة بعذابهم . والثاني : أن الأمر بمعنى العذاب . والثالث : أنه بمعنى القضاء بعذابهم .
قوله تعالى : " جعلنا عاليها سافلها " الكناية تعود إلى المؤتفكات ، وهي قرى قوم لوط ، وقد ذكرناها في (براءة :70) ، ونحن نشير إلى قصة هلاكهم هاهنا . قال : أمر ابن عباس جبريل لوطا بالخروج ، وقال : اخرج وأخرج غنمك وبقرك ، فقال : كيف لي بذلك وقد أغلقت أبواب المدينة ، فبسط جناحه ، وحمله وبنتيه ومالهم شيء ، فأخرجهم من المدينة ، وسأل جبريل ربه : فقال : يا رب ولني هلاك هؤلاء القوم ، فأوحى الله إليه أن تول هلاكهم ; فلما أن بدا الصبح ، غدا عليهم جبريل فاحتملها على جناحه ، ثم صعد بها حتى خرج الطير في الهواء لا يدري أين يذهب ، ثم كفأها عليهم ، وسمعوا وجبة شديدة ، فالتفتت امرأة لوط ، فرماها جبريل بحجر فقتلها ، ثم صعد حتى أشرف على الأرض ، فجعل يتبعهم مسافرهم ورعاتهم ومن تحول عن القرية ، فرماهم بالحجارة حتى قتلهم . وقال : اقتلع السدي جبريل الأرض من سبع أرضين ، فاحتملها حتى بلغ بها إلى أهل السماء الدنيا ، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ، ثم قلبها . وقال غيره : كانت خمس قرى ، أعظمها سدوم ، وكان القوم أربعة آلاف ألف . وقيل : كان في كل قرية مائة ألف مقاتل ، فلما رفعها إلى السماء ، لم ينكسر لهم إناء ولم [ ص: 144 ] يسقط حتى قلبها عليهم . وقيل : نجا من الخمس واحدة لم تكن تعمل مثل عملهم . وانفرد ، فقال : إن سعيد بن جبير جبريل وميكائيل توليا قلبها .
قوله تعالى : " وأمطرنا عليها " في هاء الكناية قولان :
أحدهما : أنها ترجع إلى القرى . والثاني إلى الأمة .
وفي السجل سبعة أقوال :
أحدها : أنها بالفارسية سنك وكل ، السنك : الحجر ، والكل : الطين ، هذا قول ، ابن عباس ، وعكرمة . وقال وسعيد بن جبير : أولها حجر ، وآخرها طين . وقال مجاهد : يعني الآجر . قال الضحاك : من ذهب إلى هذا القول ، اعتبره بقوله : ابن قتيبة حجارة من طين [الذاريات :33] يعني الآجر . وحكى أنه طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأرحاء . الفراء
والثاني : أنه بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض ، ومنه نزلت الحجارة ، قاله . عكرمة
والثالث : أن السجيل : اسم السماء الدنيا ، فالمعنى : حجارة من السماء الدنيا ، قاله ابن زيد .
والرابع : أنه الشديد من الحجارة الصلب ، قاله ، وأنشد أبو عبيدة لابن مقبل :
[ورجلة يضربون البيض عن عرض] ضربا تواصت به الأبطال سجينا
[ ص: 145 ] ورد هذا القول ، فقال : هذا بالنون ، وذاك باللام ، وإنما هو في هذا البيت فعيل من سجنت ، أي : حبست ، كأنه يثبت صاحبه . ابن قتيبة
والخامس : أن قوله : " من سجيل " كقولك : من سجل ، أي : مما كتب لهم أن يعذبوا به ، وهذا اختيار . الزجاج
والسادس : أنه من أسجلته ، أي : أرسلته ، فكأنها مرسلة عليهم .
والسابع : أنه من أسجلت : إذا أعطيت ، حكى القولين . الزجاج
وفي قوله : " منضود " ثلاثة أقوال :
أحدها : يتبع بعضه بعضا ، قاله . والثاني : مصفوف ، قاله ابن عباس ، عكرمة . والثالث : نضد بعضه على بعض ، لأنه طين جمع فجعل حجارة ، قاله وقتادة . الربيع بن أنس
قوله تعالى : " مسومة " قال : أي :معلمة ، أخذ من السومة ، وهي العلامة . الزجاج
وفي علامتها ستة أقوال :
أحدها : بياض في حمرة ، رواه عن الضحاك ، وبه قال ابن عباس . الحسن
والثاني : أنها كانت مختومة ، فالحجر أبيض وفيه نقطة سوداء ، أو أسود وفيه نقطة بيضاء ، رواه عن العوفي . ابن عباس
والثالث : أنها المخططة بالسواد والحمرة ، رواه عن أبو صالح . ابن عباس
والرابع : عليها نضح من حمرة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع ، قاله ، عكرمة . [ ص: 146 ] والخامس : أنها كانت معلمة بعلامة يعرف بها أنها ليست من حجارة الدنيا ، قاله وقتادة . ابن جريج
والسادس : أنه كان على كل حجر منها اسم صاحبه ، قاله . وحكي عن بعض من رأى تلك الحجارة أنه قال : كانت مثل رأس الإبل ، ومثل مبارك الإبل ، ومثل قبضة الرجل . الربيع
وفي قوله تعالى : " عند ربك " أربعة أقوال :
أحدها : أن المعنى : جاءت من عند ربك ، قاله ، ابن عباس . ومقاتل
والثاني : عند ربك معدة ، قاله أبو بكر الهزلي .
والثالث : أن المعنى : هذا التسويم لزم هذه الحجارة عند الله إيذانا بنفاذ قدرته وشدة عذابه ، قاله . ابن الأنباري
والرابع : أن معنى قوله : " عند ربك " : في خزائنه التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه .
قوله تعالى : " وما هي من الظالمين ببعيد " في المراد بالظالمين هاهنا ثلاثة أقوال :
أحدها : أن المراد بالظالمين هاهنا : كفار قريش ، خوفهم الله بها ، قاله الأكثرون .
والثاني : أنه عام في كل ظالم ; قال : والله ما أجار الله منها ظالما بعد قوم قتادة لوط ، فاتقوا الله وكونوا منه على حذر .
والثالث : أنهم قوم لوط ، فالمعنى : وما هي من الظالمين ، أي : من قوم لوط ببعيد ، والمعنى : لم تكن لتخطئهم ، قاله . الفراء