الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فلما استيأسوا منه " أي : أيسوا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 266 ] وفي هاء " منه " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنها ترجع إلى يوسف ، فالمعنى : يئسوا من يوسف أن يخلي سبيل أخيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : إلى أخيهم ، فالمعنى : يئسوا من أخيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " خلصوا نجيا " أي : اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم ، يتناجون ويتناظرون ويتشاورون ، يقال : قوم نجي ، والجمع أنجية ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واضطربت أعناقهم كالأرشيه



                                                                                                                                                                                                                                      وإنما وحد " نجيا " لأنه يجري مجرى المصدر الذي يكون للاثنين ، والجمع والمؤنث بلفظ واحد . وقال الزجاج : انفردوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم وليس معهم أخوهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " قال كبيرهم " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنه كبيرهم في العقل ، ثم فيه قولان : أحدهما : أنه يهوذا ، ولم يكن أكبرهم سنا ، وإنما كان أكبرهم سنا روبيل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، ومقاتل . والثاني : أنه شمعون ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه كبيرهم في السن وهو روبيل ، قاله قتادة ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله " في حفظ [ ص: 267 ] أخيكم ورده إليه " ومن قبل ما فرطتم في يوسف " قال الفراء : " ما " في موضع رفع ، كأنه قال : ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف ، وإن شئت جعلتها نصبا ، المعنى : ألم تعلموا هذا ، وتعلموا من قبل تفريطكم في يوسف ، وإن شئت جعلت " ما " صلة ، كأنه قال : ومن قبل فرطتم في يوسف . قال الزجاج : وهذا أجود الوجوه ، أن تكون " ما " لغوا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فلن أبرح الأرض " أي : لن أخرج من أرض مصر ، يقال : برح الرجل براحا : إذا تنحى عن موضعه . " حتى يأذن لي " قال ابن عباس : حتى يبعث إلي أن آتيه ، " أو يحكم الله لي " فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أو يحكم الله لي ، فيرد أخي علي . والثاني : يحكم الله لي بالسيف ، فأحارب من حبس أخي . والثالث : يقضي في أمري شيئا ، " وهو خير الحاكمين " أي : أعدلهم وأفضلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إن ابنك سرق " وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وابن أبي سريج عن الكسائي : " سرق " بضم السين وتشديد الراء وكسرها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وما شهدنا إلا بما علمنا " فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمنا ، لأنا رأينا المسروق في رحله ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا من دينك ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : " وما كنا للغيب حافظين " ثمانية أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن الغيب هو الليل ، والمعنى : لم نعلم ما صنع بالليل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وهذا يدل على أن التهمة وقعت به ليلا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 268 ] والثاني : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال عكرمة ، وقتادة ، ومكحول ، قال ابن قتيبة : فالمعنى : لم نعلم الغيب حين أعطيناك الموثق لنأتينك به أنه يسرق فيؤخذ .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : لم نستطع أن نحفظه فلا يسرق ، رواه عبد الوهاب عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : لم نعلم أنه سرق للملك شيئا ، ولذلك حكمنا باسترقاق السارق ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : أن المعنى : قد رأينا السرقة قد أخذت من رحله ، ولا علم لنا بالغيب فلعلهم سرقوه ، قاله ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس : ما كنا لغيب ابنك حافظين ، إنما نقدر على حفظه في محضره ، فإذا غاب عنا ، خفيت عنا أموره .

                                                                                                                                                                                                                                      والسابع : لو علمنا من الغيب أن هذه البلية تقع بابنك ما سافرنا به ، ذكرهما ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      والثامن : لم نعلم أنك تصاب به كما أصبت بيوسف ، ولو علمنا لم نذهب به ، قاله ابن كيسان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية