[ ص: 458 ]
سورة المؤمنون
بسم الله الرحمن الرحيم
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون .
سورة المؤمنون مكية في قول الجميع .
روى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عمر بن الخطاب قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات " ، رواه لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ، ثم قرأ : في " صحيحه " . وروى الحاكم أبو عبد الله [ ص: 459 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أبو سعيد الخدري " . قال إن الله تعالى حاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وغرس غرسها بيده ، فقال لها : تكلمي ، فقالت : قد أفلح المؤمنون ، فقال لها : طوبى لك منزل الملوك : " قد " هاهنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين ، ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال ; لأن " قد " تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه ، ألا تراهم يقولون : قد قامت الصلاة ، قبل حال قيامها ، فيكون معنى الآية : إن الفلاح قد حصل لهم ، وإنهم عليه في الحال . وقرأ الفراء ، أبي بن كعب ، وعكرمة وعاصم الجحدري ، : ( قد أفلح ) بضم الألف وكسر اللام وفتح الحاء ، على ما لم يسم فاعله . قال وطلحة بن مصرف : ومعنى الآية : قد نال المؤمنون البقاء الدائم في الخير . ومن قرأ : ( قد أفلح ) بضم الألف ، كان معناه : قد أصيروا إلى الفلاح . وأصل الخشوع في اللغة : الخضوع والتواضع . الزجاج
وفي المراد بالخشوع في الصلاة أربعة أقوال :
أحدها : أنه النظر إلى موضع السجود . روى ، قال : أبو هريرة . وإلى هذا المعنى ذهب كان رسول الله [ ص: 460 ] صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع بصره إلى السماء ، فنزلت : " الذين هم في صلاتهم خاشعون " فنكس رأسه مسلم بن يسار . وقتادة
والثاني : أنه ترك الالتفات في الصلاة ، وأن تلين كنفك للرجل المسلم ، قاله رضي الله عنه . علي بن أبي طالب
والثالث : أنه السكون في الصلاة ، قاله ، مجاهد وإبراهيم ، . والزهري
والرابع : أنه الخوف ، قاله . الحسن
وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال :
أحدها : الشرك ، رواه عن أبو صالح . والثاني : الباطل ، رواه ابن عباس ابن أبي طلحة عن . والثالث : المعاصي ، قاله ابن عباس . والرابع : الكذب ، قاله الحسن . والخامس : الشتم والأذى الذي كانوا يسمعونه من الكفار ، قاله السدي . قال مقاتل : واللغو : كل لعب ولهو ، وكل معصية فهي مطرحة ملغاة ; فالمعنى : شغلهم الجد فيما أمرهم الله به عن اللغو . الزجاج
قوله تعالى : " للزكاة فاعلون " ; أي : مؤدون ، فعبر عن التأدية بالفعل ; لأنه فعل .
قوله تعالى : " إلا على أزواجهم " قال : " على " بمعنى " من " . وقال الفراء : المعنى : أنهم يلامون في إطلاق ما حظر عليهم وأمروا بحفظه ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم لا يلامون . [ ص: 461 ] الزجاج
قوله تعالى : " فمن ابتغى " ; أي : طلب ، " وراء ذلك " ; أي : سوى الأزواج والمملوكات ، " فأولئك هم العادون " يعني : الجائرين الظالمين ; لأنهم قد تجاوزوا إلى ما لا يحل . " والذين هم لأماناتهم " قرأ : ( لأمانتهم ) وهو اسم جنس ، والمعنى : للأمانات التي ائتمنوا عليها ، فتارة تكون الأمانة بين العبد وبين ربه ، وتارة تكون بينه وبين جنسه ، فعليه مراعاة الكل ، وكذلك العهد . ومعنى " ابن كثير راعون " : حافظون . قال : وأصل الرعي في اللغة : القيام على إصلاح ما يتولاه الراعي من كل شيء . الزجاج
قوله تعالى : " على صلواتهم " قرأ ، ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو : ( صلواتهم ) على الجمع . وقرأ وابن عامر حمزة : ( صلاتهم ) على التوحيد ، وهو اسم جنس . والكسائي : أداؤها في أوقاتها . والمحافظة على الصلوات
قوله تعالى : " أولئك هم الوارثون " ذكر عن أشياخه أن الله تعالى يرفع للكفار الجنة ، فينظرون إلى بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا ، ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم ، فذلك قوله : " السدي أولئك هم الوارثون " . وقد شرحنا هذا في ( الأعراف : 43 ) عند قوله : " أورثتموها " ، وشرحنا معنى الفردوس في ( الكهف : 107 ) .