قوله تعالى : " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه " قال المفسرون : هذا تعزية [ ص: 470 ] لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر هذا الرسول الصابر ; ليتأسى به في صبره ، وليعلم أن الرسل قبله قد كذبوا .
قوله تعالى : " يريد أن يتفضل عليكم " ; أي : يعلوكم بالفضيلة فيصير متبوعا ، " ولو شاء الله " أن لا يعبد شيء سواه ; " لأنزل ملائكة " تبلغ عنه أمره لم يرسل بشرا ، " ما سمعنا بهذا " الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد ، " في آبائنا الأولين " فأما الجنة فمعناها : الجنون .
وفي قوله : " حتى حين " قولان :
أحدهما : أنه الموت ، فتقديره : انتظروا موته . والثاني : أنه وقت منكر .
قوله تعالى : " قال رب انصرني " وقرأ عكرمة وابن محيصن : ( قال رب ) بضم الباء ، وفي القصة الأخرى [ المؤمنون : 39 ] .
قوله تعالى : " بما كذبون " وقرأ يعقوب : ( كذبوني ) بياء ، وفي القصة التي تليها أيضا : ( فاتقوني ) [ المؤمنون : 52 ] ، ( أن يحضروني ) [ المؤمنون : 98 ] ، ( رب ارجعوني ) [ المؤمنون : 99 ] ، ( ولا تكلموني ) [ المؤمنون : 108 ] ، أثبتهن في الحالين يعقوب ، والمعنى : انصرني بتكذيبهم ; أي : انصرني بإهلاكهم جزاء لهم بتكذيبهم . " فأوحينا إليه " قد شرحناه في ( هود : 37 ) إلى قوله : " فاسلك فيها " ; أي : ادخل في سفينتك ، " من كل زوجين اثنين " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي عن وأبو بكر " ( من كل ) بكسر اللام من غير تنوين . وقرأ عاصم حفص عن : ( من كل ) بالتنوين . قال عاصم أبو علي : قراءة الجمهور إضافة " كل " إلى " زوجين " ، وقراءة حفص تئول إلى زوجين ; لأن المعنى : من كل الأزواج زوجين . [ ص: 471 ]
قوله تعالى : " وقل رب أنزلني منزلا " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي وحفص عن : ( منزلا ) بضم الميم . وروى عاصم أبو بكر عن فتحها . والمنزل بفتح الميم : اسم لكل ما نزلت به ، والمنزل بضمها : المصدر بمعنى الإنزال ، تقول : أنزلته إنزالا ومنزلا . عاصم
وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان :
أحدهما : عند نزوله في السفينة . والثاني : عند نزوله من السفينة .
قوله تعالى : " إن في ذلك " ; أي : في قصة نوح وقومه ، " لآيات وإن كنا " ; أي : وما كنا ، " لمبتلين " ; أي : لمختبرين إياهم بإرسال نوح إليهم . " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " يعني : عادا ، " فأرسلنا فيهم رسولا منهم " وهو هود ، هذا قول الأكثرين . وقال : هم أبو سليمان الدمشقي ثمود والرسول صالح . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله : " أيعدكم أنكم " قال : موضع " أنكم " نصب على معنى : أيعدكم [ أنكم ] مخرجون إذا متم ، فلما طال الكلام أعيد ذكر " أن " ، كقوله : الزجاج ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم [ التوبة : 63 ] .
قوله تعالى : " هيهات هيهات " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة : ( هيهات هيهات ) بفتح التاء فيهما في الوصل وإسكانها في الوقف . وقرأ والكسائي ، أبي بن كعب وأبو مجلز ، وهارون عن : ( هيهاتا هيهاتا ) بالنصب والتنوين . وقرأ أبي عمرو ، ابن مسعود وعاصم الجحدري ، وأبو حيوة الحضرمي ، وابن السميفع : ( هيهات هيهات ) بالرفع والتنوين . وقرأ أبو العالية : ( هيهات هيهات ) بالخفض والتنوين . وقرأ وقتادة : ( هيهات هيهات ) بالخفض من غير تنوين وكان يقف بالهاء . وقرأ أبو جعفر ، أبو المتوكل ، [ ص: 472 ] الناجي ، وسعيد بن جبير : ( هيهات هيهات ) بالرفع من غير تنوين . وقرأ وعكرمة معاذ القارئ ، ، وابن يعمر ، وأبو رجاء وخارجة عن : ( هيهات هيهات ) بإسكان التاء فيهما . وفي " هيهات " عشر لغات قد ذكرنا منها سبعة عن القراء ، والثامنة : ( أيهات ) ، والتاسعة : ( أيهان ) بالنون ، والعاشرة : ( أيها ) بغير نون ، ذكرهن أبي عمرو ابن القاسم ، وأنشد في الجمع بين لغتين منهن : الأحوص
تذكر أياما مضين من الصبا وهيهات هيهاتا إليك رجوعها
قال : فأما الفتح فالوقف فيه بالهاء ، تقول : ( هيهاه ) إذا فتحت ووقفت بعد الفتح ، فإذا كسرت ووقفت على التاء كنت ممن ينون في الوصل ، أو كنت ممن لا ينون . وتأويل " هيهات " : البعد لما توعدون . وإذا قلت : ( هيهات ما قلت ) فمعناه : بعيد ما قلت . وإذا قلت : ( هيهات لما قلت ) فمعناه : البعد لما قلت . ويقال : ( أيهات ) في معنى ( هيهات ) ، وأنشدوا : الزجاج
وأيهات أيهات العقيق ومن به وأيهات وصل بالعقيق نواصله
قال : إذا وقفت على ( هيهات ) فقل : ( هيهاه ) . وقال أبو عمرو بن العلاء : الفراء يختار الوقف بالهاء ، وأنا أختار التاء . الكسائي
قوله تعالى : " لما توعدون " قرأ ابن مسعود : ( ما توعدون ) بغير لام . قال المفسرون : استبعد القوم بعثهم بعد الموت ; إغفالا منهم للتفكر في بدو أمرهم وقدرة الله على إيجادهم ، وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبدا . " وابن أبي عبلة إن هي إلا حياتنا الدنيا " يعنون : ما الحياة إلا ما نحن فيه ، وليس بعد الموت حياة . [ ص: 473 ]
فإن قيل : كيف قالوا : " نموت ونحيا " وهم لا يقرون بالبعث ؟
فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها : الزجاج
أحدها : نموت ويحيا أولادنا ، فكأنهم قالوا : يموت قوم ويحيا قوم .
والثاني : نحيا ونموت ; لأن الواو للجمع لا للترتيب .
والثالث : ابتداؤنا موات في أصل الخلقة ، ثم نحيا ، ثم نموت .
قوله تعالى : " إن هو " يعنون : الرسول . وقد سبق تفسير ما بعد هذا [ هود : 7 ، النحل : 38 ] إلى قوله : " قال عما قليل " قال : معناه : عن قليل ، و " ما " زائدة بمعنى التوكيد . الزجاج
قوله تعالى : " ليصبحن نادمين " ; أي : على كفرهم ، " فأخذتهم الصيحة بالحق " ; أي : باستحقاقهم العذاب بكفرهم . قال المفسرون : صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم ، فصاروا لشدتها غثاء . قال : الغثاء : ما أشبه الزبد ، وما ارتفع على السيل ، ونحو ذلك مما لا ينتفع به في شيء . وقال أبو عبيدة : المعنى : فجعلناهم هلكى كالغثاء ، وهو ما علا السيل من الزبد والقمش ; لأنه يذهب ويتفرق . وقال ابن قتيبة : الغثاء : الهالك والبالي من ورق الشجر الذي إذا جرى السيل رأيته مخالطا زبده . وما بعد هذا قد سبق شرحه [ الحجر : 5 ] إلى قوله تعالى : " الزجاج ثم أرسلنا رسلنا تترى " قرأ ، ابن كثير ، وأبو جعفر : ( تترى كلما ) منونة والوقف بالألف . وقرأ وأبو عمرو ، نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة بلا تنوين ، والوقف عند والكسائي نافع بألف . وروى وابن عامر هبيرة وحفص عن أنه يقف بالياء . قال عاصم أبو علي : يعني بقوله : يقف بالياء : [ ص: 474 ] أي : بألف ممالة . قال : أكثر الفراء العرب على ترك التنوين ، ومنهم من نون . قال : والمعنى : نتابع بفترة بين كل رسولين ، وهو من التواتر ، والأصل : وترى ، فقلبت الواو تاء كما قلبوها في التقوى والتخمة . وحكى ابن قتيبة عن الزجاج أنه قال : معنى واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا ، وبين الخبرين هنية . وقرأت على شيخنا الأصمعي أبي منصور اللغوي ، قال : ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم : تواترت كتبي إليك ، يعنون : اتصلت من غير انقطاع ، فيضعون التواتر في موضع الاتصال ، وذلك غلط ، إنما التواتر : مجيء الشيء ثم انقطاعه ثم مجيئه ، وهو التفاعل من الوتر ، وهو الفرد ، يقال : واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين هنيهة . قال الله تعالى : " ثم أرسلنا رسلنا تترى " أصلها : ( وترى ) من المواترة ، فأبدلت التاء من الواو ، ومعناه : منقطعة متفاوتة ; لأن بين كل نبيين دهرا طويلا . وقال : لا بأس بقضاء رمضان تترى ; أي : منقطعا . فإذا قيل : واتر فلان كتبه ، فالمعنى : تابعها وبين كل كتابين فترة . أبو هريرة
قوله تعالى : " فأتبعنا بعضهم بعضا " ; أي : أهلكنا الأمم بعضهم في إثر بعض ، " وجعلناهم أحاديث " قال : أي : يتمثل بهم في الشر ، ولا يقال في الخير : جعلته حديثا . أبو عبيدة