قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين
قوله تعالى: فإنها محرمة عليهم الإشارة إلى الأرض المقدسة . ومعنى تحريمها عليهم: منعهم منها . فأما نصب "الأربعين" فقال هو منصوب بالتحريم ، وجائز أن يكون منصوبا بـ "يتيهون" . وقال الفراء: : لا يجوز أن ينتصب بالتحريم ، لأن التفسير جاء أنها محرمة عليهم أبدا . قلت: وقد اختلف المفسرون في ذلك ، فذهب الأكثرون ، منهم الزجاج عكرمة ، إلى ما قال وقتادة ، ، وأنها حرمت عليهم أبدا . قال الزجاج فإنها محرمة عليهم أبدا يتيهون في الأرض أربعين سنة ، وذهب قوم ، منهم عكرمة: إلى أنها حرمت عليهم أربعين سنة ، ثم أمروا بالسير إليها ، وهذا اختيار الربيع بن أنس ، قال: إنما نصبت بالتحريم ، والتحريم كان عاما في حق الكل ، ولم يدخلها في هذه المدة منهم أحد ، فلما انقضت ، أذن لمن بقي منهم بالدخول مع ذراريهم . قال ابن جرير . ومعنى: يتيهون: يحورون ويضلون . أبو عبيدة:
[ ص: 330 ] الإشارة إلى قصتهم
قال : حرم الله على الذين عصوا دخول ابن عباس بيت المقدس ، فلبثوا في تيههم أربعين سنة ، وماتوا في التيه ، ومات موسى وهارون ، ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع وكالب بأبناء القوم ، وناهض يوشع بمن بقي معه مدينة الجبارين فافتتحها . وقال تاهوا أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا ، وقال مجاهد: لما ضرب الله عليهم التيه ، ندم السدي: موسى على دعائه عليهم ، وقالوا له: ما صنعت بنا ، أين الطعام؟ فأنزل الله المن . قالوا: فأين الشراب؟ فأمر موسى أن يضرب بعصاه الحجر . قالوا: فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام . قالوا: فأين اللباس؟ وكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ، ولا يتخرق لهم ثوب ، وقبض موسى ولم يبق أحد ممن أبى دخول قرية الجبارين إلا مات ، ولم يشهد الفتح . وفيه قول آخر أنه لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إسرائيل من التيه ، وقال لهم: ( ادخلوا هذه القرية ، فكلوا منها حيث شئتم رغدا ، وادخلوا الباب سجدا ، وقولوا حطة . . . )إلى آخر القصة . وهذا قول الربيع بن أنس ، وعبدالرحمن بن زيد . قال ابن جرير الطبري ، وهذا الصحيح ، وأن وأبو سليمان الدمشقي: موسى هو الذي فتح مدينة الجبارين مع الصالحين من بني إسرائيل ، لأن أهل السيرة أجمعوا على أن موسى هو قاتل عوج ، وكان عوج ملكهم ، وكان بلعم ابن باعوراء فيمن سباه موسى وقتله ، ولم يدخل مع موسى من قدمائهم غير يوشع وكالب ، وإنما حرمت على الذين لم يطيعوا . وفي مسافة أرض التيه قولان .
أحدهما: تسعة فراسخ ، قاله قال ابن عباس . هذا عرضها ، وطولها ثلاثون فرسخا . والثاني: ستة فراسخ في طول اثني عشر فرسخا ، حكاه مقاتل: أيضا . مقاتل
[ ص: 331 ] قوله تعالى: فلا تأس على القوم الفاسقين قال : لا تحزن على قوم شأنهم المعاصي ، ومخالفة الرسل . وقال الزجاج يقال أسيت على كذا ، أي: حزنت ، فأنا آسي أسى . ابن قتيبة: