وذلك أن ونحو ذلك من كبائر الإثم والفواحش فهو بين " ثلاثة أمور " إما أن يفعل هذا المحلوف عليه : فهذا لا يقوله مسلم ; لما فيه من ضرر الدنيا والآخرة مع أن كثيرا من الناس بل والمفتين إذا رأوه قد حلف بالطلاق كان ذلك سببا لتخفيف الأمر عليه وإقامة عذره . الحالف بالطلاق إذا حلف ليقطعن رحمه وليعقن أباه وليقتلن عدوه المسلم المعصوم وليأتين الفاحشة وليشربن الخمر وليفرقن بين المرء وزوجه
[ ص: 298 ] وإما أن يحتال ببعض تلك الحيل المذكورة كما استخرجه قوم من المفتين : ففي ذلك من الاستهزاء بآيات الله ومخادعته والمكر في دينه والكيد له وضعف العقل والدين والاعتداء لحدوده والانتهاك لمحارمه والإلحاد في آياته : ما لا خفاء به ; وإن كان في إخواننا الفقهاء من قد يستجيز بعض ذلك فقد دخل من الغلط في ذلك - وإن كان مغفورا لصاحبه المجتهد المتقي لله - ما فساده ظاهر لمن تأمل حقيقة الدين . وإما أن لا يحتال ولا يفعل المحلوف عليه ; بل يطلق امرأته كما يفعله من يخشى الله إذا اعتقد وقوع الطلاق . ففي ذلك من الفساد في الدين والدنيا ما لا يأذن الله به ولا رسوله . أما " فساد الدين " فإن باتفاق العلماء حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم { الطلاق منهي عنه مع استقامة حال الزوج } وقال : { إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات } وقد اختلف العلماء هل هو محرم ؟ أو مكروه ؟ وفيه روايتان عن أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة أحمد . وقد استحسنوا جواب أحمد - رضي الله عنه - لما سئل عمن . فقال : يطلقها ولا يطؤها قد أباح الله الطلاق وحرم وطء الحائض . حلف بالطلاق وحرم ليطأن امرأته وهي حائض
وهذا الاستحسان يتوجه على أصلين : إما على قوله إن الطلاق ليس بحرام . وإما أن يكون تحريمه دون تحريم الوطء . وإلا فإذا كان كلاهما حراما لم يخرج من حرام إلا إلى حرام . [ ص: 299 ] وأما " ضرر الدنيا " فأبين من أن يوصف ; فإن لزوم الطلاق والمحلوف به في كثير من الأوقات يوجب من الضرر ما لم تأت به الشريعة في مثل هذا قط فإن المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم { } وهي التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { الدنيا متاع وخير متاعها المرأة المؤمنة إن نظرت إليها أعجبتك ; وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك المهاجرون أي المال نتخذ ؟ فقال : لسانا ذاكرا ; وقلبا شاكرا أو امرأة صالحة تعين أحدكم على إيمانه } رواه لما سأله الترمذي من حديث سالم بن أبي الجعد عن ثوبان ويكون منها من المودة والرحمة ما امتن الله تعالى بها في كتابه فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان ; خصوصا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفراق ويفسد حالهم ثم يفضي ذلك إلى القطيعة بين أقاربها ووقوع الشر لما زالت نعمة المصاهرة التي امتن الله تعالى بها في قوله : { فجعله نسبا وصهرا } ومعلوم أن هذا من الحرج الداخل في عموم قوله : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ومن العسر المنفي بقوله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }