الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : فلو أحرم صبي ، أو عبد فبلغ أو عتق فمضى لم يجز عن فرضه ) ; لأن الإحرام انعقد للنفل فلا ينقلب للفرض وهو وإن كان شرطا عندنا لكنه شبيه بالركن من حيث إمكان اتصال الأداء به فاعتبرنا الشبه فيما نحن فيه احتياطا وفي إسناد الإحرام إلى الصبي دليل على صحته منه وهو محمول على ما إذا كان يعقله فإن كان لا يعقله فأحرم عنه أبوه صار محرما فينبغي أن يجرده قبله ويلبسه إزارا و رداء ولما كان الصبي غير مخاطب كان إحرامه غير لازم ولذا لو أحصر وتحلل لا دم عليه ولا جزاء ولا قضاء ، ولو جدده بعد بلوغه قبل الوقوف ونوى الفرض أجزأه ; لأنه يمكنه الخروج عنه لعدم اللزوم بخلاف العبد لا يمكنه الخروج عنه للزوم فلو جدده بعد عتقه لا يصح والكافر والمجنون كالصبي فلو حج كافر ، أو مجنون فأفاق ، أو أسلم فجددا الإحرام أجزأهما قيل وهذا دليل أن الكافر إذا حج لا يحكم بإسلامه بخلاف الصلاة بجماعة كذا في فتح القدير وفيه بحث من وجهين الأول كيف يتصور إحرام المجنون فإنه لا يتصور منه إحرام بنفسه وكون وليه أحرم عنه يحتاج إلى نقل صريح يفيد أن المجنون البالغ كالصبي في هذا الثاني أن هذا لا يدل على أن الكافر إذا حج لا يحكم بإسلامه إذا حج ; لأن في هذه المسألة لم يوجد منه الحج إنما وجد الإحرام فقط [ ص: 341 ] ; لأنه لو وقف بعرفة لم يكن موضوع المسألة ولم يكن للتجديد فائدة فالحاصل أنه لا يكون مسلما إلا بالإحرام والوقوف وشهود المناسك فلا منافاة بين الفرعين كما لا يخفى وفي الذخيرة عن النوادر البالغ إذا جن بعد الإحرام ثم ارتكب شيئا من محظورات الإحرام فإن فيه الكفارة فرقا بينه وبين الصبي .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ولو جدده بعد بلوغه قبل الوقوف إلخ ) كذا عبارة أغلب كتب المذهب بصيغة قبل الوقوف وهي محتملة لأن يراد قبل أن يقف أو قبل فوات وقت الوقوف وعلى الثاني مشى منلا علي في شرح المناسك وشرح النقاية ويؤيد الأول قول الإمام السرخسي في مبسوطه في آخر باب المواقيت ولو أن الصبي أهل بالحج قبل أن يحتلم ثم احتلم قبل أن يطوف بالبيت أو قبل أن يقف بعرفة لم يجزه عن حجة الإسلام عندنا إلا أن يجدد إحرامه قبل أن يقف بعرفة فحينئذ يجزئه عن حجة الإسلام ا هـ .

                                                                                        فلو وقف بعد الزوال ولو لحظة ثم بلغ ليس له التجديد وإن بقي وقت الوقوف لتمام حجه إذ الحج بعد التمام لا يقبل النقض ولا يصح أداء حجتين في عام واحد بالإجماع كذا ذكره القاضي محمد عيد في شرحه خلاصة الناسك على لباب المناسك المختصر من شرحه الكبير عباب المسالك عن شيخه العلامة الشيخ حسن العجيمي وذكر مثله الشيخ عبد الله العفيف في شرح منسكه مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم { من وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه } فمن من صيغ العموم فيشمل الصبي وقد قلنا بأن حجه نفلا صحيح ويمتنع أداء حجتين نفل وفرض في سنة واحدة ثم قال وقد وقع الاختلاف في الإفتاء في هذه المسألة في زماننا فمن العصريين من أفتى بعدم صحة تجديد الصبي الإحرام بعد أن دخل عليه وقت الوقوف وهو بأرض عرفة محرم بالحج النفل ومنهم من أفتى بصحة ذلك وقد بسطت الكلام عليها في التذكرة العفيفية في فقه الحنفية ا هـ .

                                                                                        ملخصا من حاشية المدني على الدر المختار ( قوله : وكون وليه أحرم عنه يحتاج إلى نقل صريح ) قال في النهر ظاهر أن مقتضى صحة إحرام الولي عن الصبي الذي لا يعقل صحته عن المجنون بجامع عدم العقل في كل ا هـ .

                                                                                        وقال المقدسي في شرحه أقول : وفي البحر العميق لا حج على مجنون مسلم ولا يصح منه إذا حج بنفسه ولكن يحرم عنه وليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى ا هـ .

                                                                                        قلت وفي الذخيرة قال في الأصل وكل جواب عرفته في الصبي يحرم عنه الأب فهو الجواب في المجنون ا هـ .

                                                                                        وفي الولوالجية قبيل الإحصار وكذا الصبي يحج به أبوه وكذا المجنون يقضي المناسك ويرمي الجمار ; لأن إحرام الأب عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما ا هـ .

                                                                                        فهذه النقول [ ص: 341 ] صريحة في أن المجنون كالصبي ( قوله فالحاصل أنه لا يكون مسلما إلخ ) قال في النهر جزمه بإسلامه إذا أتى بسائر الأفعال ضعيف كما مر .




                                                                                        الخدمات العلمية