( قوله : ولا يحنث بشراء كباسة بسر فيها رطب في لا يشتري رطبا ) أي لو لم يحنث ; لأن الشراء يصادف جملته والمغلوب تابع ، ولو كان اليمين على الأكل يحنث ; لأن الأكل يصادفه شيئا فشيئا فكان كل واحد منهما مقصودا وصار كما إذا حلف لا يشتري رطبا فاشترى كباسة بسر فيها رطب يحنث في الأكل دون الشراء لما قدمنا قال في الخانية لو حلف لا يشتري شعيرا أو لا يأكل فاشترى حنطة فيها حبات شعير أو أكلها كان حانثا ، وكذا إذا حلف لا يشتري رأسا والكباسة بكسر الكاف عنقود النخل والجمع كبائس قال في التبيين بخلاف ما إذا عقد يمينه على المس حيث يحنث في الوجوه كلها ; لأن المس فيها متصور حقيقة ، واسم المحلوف عليه باق بخلاف ما إذا حلف لا يشتري ألية فاشترى شاة مذبوحة حيث لا يحنث لزوال اسم القطن والكتان عنه فصار كمن حلف لا يمس قطنا أو كتانا فمس ثوبا اتخذ منه . حلف لا يأكل سمنا أو زبدا أو لا يمسه فأكل لبنا أو مسه
( قوله : وبسمك في لا يأكل لحما ) أي لو لا يحنث بأكل لحم السمك ، وإن سماه الله تعالى لحما في القرآن للعرف ، وقد قدمنا أن الأيمان مبنية عليه لا على الحقيقة ، وهو أولى مما في الهداية من أن التسمية التي وقعت في القرآن مجازية لا حقيقية ; لأن اللحم منشؤه من الدم ، ولا دم في السمك لسكونه في الماء ، ولذا حل بلا ذكاة فإنه ينتقض بالألية تنعقد من الدم ، ولا يحنث بأكلها لمكان العرف ، وهي أنها لا تسمى لحما ، وأيضا يمنع أن اسم اللحم باعتبار الانعقاد من الدم لا باعتبار الالتحام ألا ترى أنه لو حلف لا يأكل لحما أنه لا يحنث مع تسميتها في القرآن دابة ، وأوتادا ، وهذا كله إذا لم ينو أما إذا نواه [ ص: 348 ] فأكل سمكا طريا أو مالحا يحنث ، وفي المحيط ، وفي الأيمان يعتبر العرف في كل موضع حتى قالوا لو كان الحالف خوارزميا فأكل لحم السمك يحنث ; لأنهم يسمونه لحما ، ولو حلف لا يركب دابة فركب كافرا أو لا يجلس على وتد فجلس على جبل لا يحنث إلا أن يكون حلف لا يشتري خبزا فاشترى خبز الأرز بطبرستان . ا هـ .
( قوله : ولحم الخنزير والإنسان والكبد والكرش لحم ) ; لأن منشأ هذه الأشياء الدم فصارت لحما حقيقة فيحنث بأكلها في حلفه لا يأكل لحما ، وإن كان لحم الخنزير والآدمي حراما ; لأن اليمين قد تنعقد لمنع النفس عن الحرام كما لو تصح يمينه ، وكذا يدخل في العموم ألا ترى أنه لو حلف لا يزني أو لا يكذب يدخل فيه الخمر حتى تلزمه الكفارة بشربها لكونها شرابا حقيقة ووجوب الكفارة في اليمين ليس لعينها بل لمعنى في غيرها ، وهو هتك حرمة اسم الله تعالى ، ولا يختلف ذلك بين أن تكون يمينه على الطاعة أو على المعصية وصحح حلف لا يشرب شرابا الإمام العتابي أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي ، وقال في الكافي ، وعليه الفتوى اعتبارا للعرف ، وهذا هو الحق ، وما في التبيين من أنه عرف عملي لا يصلح مقيدا للفظ بخلاف العرف اللفظي ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث بالركوب على الإنسان للعرف اللفظي ; لأن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع ، وإن كان في اللغة يتناوله ، ولو حلف لا يركب حيوانا يحنث بالركوب على الإنسان ; لأن اللفظ يتناول جميع الحيوانات والعرف العملي ، وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا . ا هـ .
فقد رده في فتح القدير بأنه غير صحيح لتصريح أهل الأصول بقولهم الحقيقة تترك بدلالة العادة إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا ، ولم يجب عن الفرق بين الدابة والحيوان ، وهي واردة عليه إن سلمها ، وفي الخلاصة لو يحنث في عرف أهل حلف لا يأكل لحما فأكل شيئا من البطون كالكبد والطحال الكوفة ، وفي عرفنا لا يحنث ، وهكذا في المحيط والمجتبى ، ولا يخفى أنه لا يسمى لحما في عرف أهل مصر أيضا فعلم أن ما في المختصر مبني على عرف أهل الكوفة ، وأن ذلك يختلف باختلاف العرف ، وفي الخلاصة وغيرها لو حلف لا يأكل لحما حنث بأكل لحم الإبل والبقر والغنم والطيور مطبوخا كان أو مشويا أو قديدا كما ذكره في الأصل فهذا من إشارة إلى أنه لا يحنث بالنيء ، وفي فتاوى محمد أبي الليث عن أبي بكر الإسكاف أنه لا يحنث ، وهو الأظهر ، وعند يحنث ، ولو الفقيه أبي الليث لم يحنث إن لم يكن له نية المرقة . ا هـ . حلف لا يأكل من هذا اللحم شيئا فأكل من مرقته
وفي الظهيرية الأشبه أنه لا يحنث بأكل النيء ، وفي المحيط يحنث ; لأن الشاة اسم جنس فيتناول الشاة أي الضأن وغيرها وذكر حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز في نوازله أنه لا يحنث سواء كان الحالف قرويا أو مصريا ، وعليه الفتوى ; لأنهم يفرقون بينهما عادة ، ولو حلف لا يأكل لحم بقرة لم يحنث بأكل لحم الجاموس ; لأنه ، وإن كان بقرا حتى يعد في نصاب البقر ، ولكن خرج من اليمين بتعارف الناس . ا هـ . الفقيه أبو الليث
وفي الخانية والرأس والأكارع لحم في يمين الأكل ، وليس بلحم في يمين الشراء . ا هـ .
وفي البدائع حنث ; لأن الدجاج اسم للذكر والأنثى جميعا فأما الدجاجة فاسم للأنثى والديك اسم للذكر ، واسم الإبل يقع على الذكور والإناث ، وكذا اسم الجمل والبعير والجزور ، وهذه الأربعة تقع على البخاتي والعراب واسم البقر يقع على الأنثى والذكر كالشاة والغنم والنعجة اسم للأنثى والكبش للذكر والفرس لهما كالبغل والبغلة والحمار للذكر والحمارة والأتان للأنثى . حلف لا يأكل لحم دجاج فأكل لحم ديك
( قوله : وبشحم الظهر في شحما ) أي لو لا يحنث فهو معطوف على قوله وبسمك ، وهذا عند حلف لا يأكل شحما فأكل شحم الظهر ، وقالا يحنث لوجود خاصية الشحم فيه ، وهو الذوب بالنار ، وله أنه لحم حقيقة ألا ترى أنه ينشأ من الدم ويستعمل استعماله ويحصل به قوته ، ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم إجماعا كما في المحيط ، ولا يحنث [ ص: 349 ] ببيعه في اليمين على بيع الشحم قال الإمام القاضي الإسبيجابي إن أريد بشحم الظهر شحم الكلية فقولهما أظهر ، وإن أريد به شحم اللحم فقوله أظهر . ا هـ .
وفي فتح القدير صحح غير واحد قول وذكر أبي حنيفة قول الطحاوي مع محمد ، وهو قول أبي حنيفة مالك في الأصح ، وقيد بشحم الظهر ; لأنه يحنث بشحم البطن اتفاقا ، وذكر في الكافي أن الشحوم أربعة شحم البطن وشحم الظهر وشحم مختلط بالعظم وشحم على ظاهر الأمعاء واتفقوا على أنه يحنث بشحم البطن والثلاثة على الخلاف . ا هـ . والشافعي
واليمين على شراء اللحم كهي على أكله كما في التبيين ، وفي فتح القدير ، وما في الكافي لا يخلو من نظر بل لا ينبغي خلاف في عدم الحنث بما على الأمعاء في العظم قال الإمام السرخسي إن أحدا لم يقل بأن مخ العظم شحم . ا هـ .
وكذا لا ينبغي خلاف في الحنث بما على الأمعاء ; لأنه لا يختلف في تسميته شحما . ا هـ .
وفسر في الهداية شحم الظهر بأنه اللحم السمين ، وأشار المصنف إلى أن المأمور بشراء اللحم إذا اشترى شحم الظهر لا يجوز على الآمر ، وهو مروي عن ، وهو دليل محمد أيضا كما في المحيط ( قوله : وبألية في شحما ، ولحما ) أي لا يحنث بأكل ألية لو للإمام ; لأنها نوع ثالث حتى لا تستعمل استعمال اللحوم والشحوم فلا يتناولها اللفظ معنى ، ولا عرفا ( قوله : وبالخبز في هذا البر ) أي لا يحنث بأكل الخبز في حلفه لا يأكل هذا البر فلا يحنث إلا بالقضم من عينها عند حلف لا يأكل لحما أو حلف لا يأكل شحما ، وقالا إن أكل من خبزها حنث أيضا ; لأنه مفهوم منه عرفا الإمام أن لها حقيقة مستعملة فإنها تغلى وتقلى وتؤكل قضما ، وهي قاضية على المجاز المتعارف كما هو الأصل عنده ، ولو قضمها حنث عندهما على الصحيح لعموم المجاز كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان ، وإليه الإشارة بقوله حنث في الخبز أيضا كذا في الهداية وصحح في الذخيرة عنهما أنه لا يحنث بأكل عينها . ولأبي حنيفة
وفي فتح القدير والمحيط إنما يحنث بأكل عينها عند إذا لم تكن نيئة بأن كانت مقلية كالبليلة في عرفنا أما إذا قضمها نيئة لم يحنث ; لأنه غير مستعمل أصلا . الإمام
وأشار المصنف إلى أنه لو أكل من دقيقها أو سويقها فإنه لا يحنث بالأولى عند ، وأما عندهما فقالوا لو أكل من سويقها حنث عند الإمام خلافا محمد فيحتاج لأبي يوسف إلى الفرق بين الخبز والسويق والفرق أن الحنطة إذا ذكرت مقرونة بالأكل يراد بها الخبز دون السويق أبو يوسف اعتبر عموم المجاز . ومحمد
وأطلقه المصنف فشمل ما إذا نوى عينها أو لم تكن له نية كما في البدائع ، ولا يخفى أنه إذا نوى أكل الخبز فإنه يصدق ; لأنه شدد على نفسه ، وقيد بكون الحنطة معينة ; لأنه لو حلف لا يأكل حنطة ينبغي أن يكون جوابه كجوابهما ذكره شيخ الإسلام ، ولا يخفى أنه تحكم والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب يعم المعينة والنكرة ، وهو أن عينها مأكول كذا في فتح القدير ، ولا فرق في الحكم بين أن يقول لا آكل من هذه الحنطة أو هذه الحنطة كما في البدائع .
[ ص: 347 - 348 ]