( قوله وسلم مع الإمام كالتحريمة عن يمينه ويساره ناويا القوم والحفظة والإمام في الجانب الأيمن أو الأيسر أو فيهما لو محاذيا ) لما تقدم أن من واجباتها عندنا ومن أركانها عند الأئمة [ ص: 352 ] الثلاثة ، ومن أطلق من مشايخنا عليه اسم السنة فضعيف والأصح وجوبه كما في المحيط وغيره أو لأنه ثبت وجوبه بالسنة للمواظبة ، وهو السلام على وجه الأكمل أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله مرتين ، والسنة أن تكون الثانية أخفض من الأولى كما في المحيط وغيره ، وجعله في منية المصلي خاصا بالإمام ، فإن قال السلام عليكم أو السلام أو سلام عليكم أو عليكم السلام أجزأه وكان تاركا للسنة وصرح في السراج الوهاج بالكراهة في الأخير وأنه لا يقول : وبركاته وصرح صيغة السلام النووي بأنه بدعة وليس فيه شيء ثابت لكن في الحاوي القدسي أنه مروي وتعقب ابن أمير حاج النووي بأنها جاءت في سنن أبي داود من حديث بإسناد صحيح ، وقوله عن يمينه ويساره بيان للسنة ورد على وائل بن حجر القائل بأنه يسلم تسليمة تلقاء وجهه ، ولو بدأ باليسار عامدا أو ناسيا فإنه يسلم عن يمينه ولا يعيده على يساره ولا شيء عليه ، ولو سلم تلقاء وجهه فإنه يسلم عن يساره ، ولو سلم عن يمينه ونسي عن يساره حتى قام فإنه يرجع ويقعد ويسلم ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد ، وفي المجتبى ولم يذكر مالك قدر ما يحول به وجهه
وقد ورد في حديث { ابن مسعود } ، وفي النوازل لو قال : السلام ، ودخل في الصلاة لا يكون داخلا فثبت أن الخروج لا يتوقف على عليكم ، وقوله مع الإمام بيان للأفضل يعني الأفضل للمأموم المقارنة في التحريمة والسلام عند أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر وعندهما الأفضل عدمها للاحتياط وله أن الاقتداء عقد موافقة وأنها في القران لا في التأخير ، وإنما شبه السلام بالتحريمة ; لأن المقارنة في التحريمة باتفاق الروايات عن أبي حنيفة ، وأما في السلام ففيه روايتان لكن الأصح ما في الكتاب كما في الخلاصة أبي حنيفة
وقوله : ناويا القوم بيان للأفضل لما في صحيح عنه صلى الله عليه وسلم { مسلم } قال أما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله النووي في شرحه المراد بالأخ الجنس من إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال ويزاد عليه من كان منهم أمامه أو وراءه بالدلالة ; لأن المقصود من ذلك مزيد التودد ، وأما ما عللوا به من أنه لما اشتغل بمناجاة ربه صار بمنزلة الغائب عن الخلق وعند التحلل يصير خارجا فيسلم كمسافر قدم من سفره فلا يفيد الاقتصار على من معه في الصلاة بل يعم الحاضرين مصليا أو غيره ، وإنما احتيج إلى النية ; لأنه مقيم للسنة فينويها كسائر السنن ، وكذا ذكر شيخ الإسلام أنه إذا سلم على أحد خارج الصلاة ينوي السنة وخالف صدر الإسلام فقال : لا حاجة للإمام إلى النية في السلام آخر الصلاة ; لأنه يجهر بالسلام ويشير إليهم فهو فوق النية
ورد بأن الجهر للإعلام بالخروج والنية لإقامة السنة وأراد بالقوم من كان معه في الصلاة فقط ، وهو قول الجمهور وصححه شمس الأئمة بخلاف سلام التشهد فإنه ينوي جميع المؤمنين والمؤمنات فما في الخلاصة من أن الصحيح أنه ينوي من كان معه في المسجد ضعيف ، وكذا ما اختاره الحاكم الشهيد أنه كلام التشهد وزاد السروجي وأنه ينوي المؤمنين من الجن أيضا وخرج بذكر القوم النساء ، ولهذا قالوا : لا ينوي النساء في زماننا لعدم حضورهن الجماعة أو لكراهيته ، لكن ذكر في الأصل أنه ينوي الرجال والنساء ، وفي الحقيقة لا اختلاف فما في الأصل مبني على حضورهن الجماعة وما ذكره المشايخ مبني على عدمه فصار المدار في النية وعدمها حضورهن وعدمه حتى إذا كان من المقتدين خناثى [ ص: 353 ] أو صبيان نواهم أيضا ، وفي غاية البيان أن هذا شيء تركه جميع الناس ; لأنه قلما ينوي أحد شيئا وهذا حق ; لأنها صارت كالشريعة المنسوخة محمد
وقوله ناويا القوم والحفظة يعم الإمام والمأموم ، وقوله والإمام معطوف على القوم خاص بالمأموم يعني أن المأموم يزيد في نيته نية السلام على إمامه في التسليمة الأولى إذا كان الإمام عن يمينه أو في الثانية إن كان عن يساره أو في التسليمتين لو كان محاذيا له ; لأنه ذو حظ من الجانبين وأشار إلى أن المنفرد ينوي الحفظة فقط ; لأنه ليس معه غيرهم فينوي بالأولى من على يمينه من الملائكة وبالثانية من على يساره منهم وعلى ما صححه في الخلاصة ينوي الحاضرين معه في المسجد أيضا وعلى ما اختاره الحاكم ينوي جميع المؤمنين أيضا ، ثم قدم المصنف القوم على الحفظة تبعا للجامع الصغير ، وفي الأصل على العكس فاختلف المشايخ ، والتحقيق أنه ليس بينهما فرق فإن الواو لمطلق الجمع من غير ترتيب ولأن النية عمل القلب وهي تنظيم الكل بلا ترتيب واختاره الشارح تبعا لما في البدائع لكن قال فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير للبداءة أثر في الاهتمام ، ولذا قال أصحابنا في الوصايا بالنوافل أنه يبدأ بما بدأ به الميت فدل ما ذكر هنا وهو آخر التصنيفين أن ، وهو مذهب مؤمني البشر أفضل من الملائكة أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وذلك أن عندهم صاحب الكبيرة خارج من الإيمان وقل ما يسلم مؤمن من الكبائر وعندنا هو كامل الإيمان ، ثم هو مبتلى بالإيمان بالغيب فكان أحق من الملائكة ، ألا ترى أن الله جعل الملائكة منزلة خدم المؤمنين في الدنيا والآخرة ا هـ .
وما ذكره عن المعتزلة نسبه الشارح إلى من أئمتنا وما اختاره الباقلاني فخر الإسلام من تفضل الجملة على الجملة نسبه في المحيط إلى بعض أهل السنة ، ثم قال والمختار عندنا أن خواص بني آدم وهم الأنبياء والمرسلون أفضل من جملة الملائكة وعوام بني آدم من الأتقياء أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم ، ونص قاضي خان على أن هذا هو المذهب المرضي ، والمراد هنا بالأتقياء من اتقى الشرك لا من اتقاه مع المعاصي فإن ظاهره أن ويدل عليه ما في روضة العلماء للإمام فسقة المؤمنين أفضل من عوام الملائكة أبي الحسن البخاري أن الأمة اجتمعت على أن الأنبياء عليهم السلام أفضل الخليقة ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم واتفقوا على أن أفضل الخلائق بعد الأنبياء جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك وأجمعوا على أن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين أفضل من سائر الملائكة واختلفوا أن سائر الناس بعد هؤلاء أفضل أم سائر الملائكة فقال سائر الناس من المسلمين أفضل أبو حنيفة
وقالا : سائر الملائكة أفضل قوله تعالى { ولأبي حنيفة يدخلون عليهم من كل باب سلام } الآية فأخبر أنهم يزورون المسلمين في الجنة [ ص: 354 ] والمزور أفضل من الزائر ا هـ .
والحفظة جمع حافظ ككتبة جمع كاتب وسموا به لحفظهم ما يصدر من الإنسان من قول وعمل أو لحفظهم إياه من الجن وأسباب المعاطب والثاني يشمل جميع من معه من الملائكة والأول يخص الكرام الكاتبين ، وفي المجتبى واختلف في نية الحفظة فقيل ينوي الملكين الكاتبين ، وقيل الحفظة الخمسة ، وفي الحديث { إن مع كل مؤمن خمسة منهم واحد عن يمينه وواحد عن يساره يكتبان أعماله وواحد أمامه يلقنه الخيرات وواحد وراءه يدفع عنه المكاره وواحد عن ناصيته يكتب من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم } ، وفي بعضها { مع كل مؤمن ستون ملكا } ، وفي بعضها { مائة وستون } ورجح الأول في غاية البيان لموافقته كتاب الله تعالى ، وفي الهداية ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا ; لأن الأخبار عن عددهم قد اختلفت فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام ا هـ .
مع أنه ورد في الحديث عدد الأنبياء أو الرسل فقال بعدما سئل عن الأنبياء : إنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر جمعا غفيرا كذا في الكشاف في سورة الحج لكن لما كان ظنيا ; لأنه خبر واحد لم يعارض قوله تعالى { ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك }
واختلف في الملكين الكاتبين هل يتبدلان بالليل والنهار فقيل يتبدلان للحديث الصحيح { } بناء على أنهم الحفظة ، وهو قول الجمهور كما نقله يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار لكن ذكر القاضي عياض في شرح القرطبي أن الأظهر أنهم غيرهم ، وقيل لا يتغيران عليه ما دام حيا واختلف في محل جلوسهما ، فقيل : في الفم ، وإن اللسان قلمهما والريق مدادهما للحديث { مسلم نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجلس الملكين الحافظين } إلى آخره ، وقيل تحت الشعر على الحنك ، وقيل اليمين واليسار ، ثم قالوا : إن كاتب السيئات يفارقه عند الغائط والجماع زاد ، وفي الصلاة ; لأنه لا يفعل سيئة فيها ، ثم اختلفوا فيما يكتبانه ، فقيل : ما فيه أجر أو وزر وعزاه في الاختيار إلى القرطبي ، وقيل : يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه ، ثم اختلفوا متى يمحى المباح ، فقيل : آخر النهار ، وقيل : يوم الخميس ، والأكثرون على أنها تمحى يوم القيامة كذا في الاختيار وذكر بعض المفسرين أنه الصحيح عند المحققين والمختار أن كيفية الكتابة والمكتوب فيه مما لا يعلمها إلا الله تعالى ، وقد أوسع الكلام في هذه العلامة محمد ابن أمير حاج في شرح منية المصلي وذكر أن الصبي المميز لا ينوي الكتبة إذ ليسوا معه ، وإنما ينوي الحافظين له من الشياطين ولذا لم يقل المصنف والكتبة ، ليعم كل مصل ولم يذكر المصنف ما يفعله بعد السلام
وقد قالوا : إن كان إماما وكانت صلاة يتنفل بعدها فإنه يقوم ويتحول [ ص: 355 ] عن مكانه إما يمنة أو يسرة أو خلفه والجلوس مستقبلا بدعة ، وإن كان لا يتنفل بعدها يقعد مكانه ، وإن شاء انحرف يمينا أو شمالا ، وإن شاء استقبلهم بوجهه إلا أن يكون بحذائه مصل سواء كان في الصف الأول أو في الأخير والاستقبال إلى المصلي مكروه هذا ما صححه في البدائع واختار في الخانية والمحيط استحباب أن ينحرف عن يمين القبلة وأن يصلي فيها ، ويمين القبلة ما بحذاء يسار المستقبل ويشهد له ما في صحيح من حديث مسلم { البراء } . كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه
[ ص: 351 - 352 ]