[ ص: 478 ] الثالث : الدليل السمعي
وفيه مباحث : الأول في وفيه مسائل : الأولى : يجوز تخصيص المقطوع بالمقطوع في قول جمهور الأمة ، خلافا لبعض تخصيص الكتاب بالكتاب الظاهرية المتمسكين بأن المخصص بيان للمراد باللفظ ، فيمتنع أن يكون بيانه إلا من السنة ، لقوله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } ولنا أنه وقع ، لأن الله تعالى قال : { والمطلقات يتربصن } الآية وهي عامة في الحوامل وغيرهن ، فخص أولات الحمل بقوله : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وخص به أيضا المطلقة قبل الدخول بقوله : { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } .
وما قالوه معارض بقوله : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } والجمع بين الآيتين أن البيان تحصل من الرسول عليه السلام ، وذلك أعم أن يكون منه أو على لسانه
وقال الشريف المرتضى في الذريعة " : الخلاف يرجع إلى اللفظ ، والمخالف يسمي التخصيص بيانا .
الثانية : يجوز والخلاف فيه أيضا ، [ ص: 479 ] وحكى تخصيص السنة المتواترة بمثلها الشيخ أبو حامد عن أنهما يتعارضان ، لا ينبني أحدهما عن الآخر . وقال داود : منع قوم تخصيص السنة بالسنة . لأن الله تعالى جعله مبينا ، فلو احتاجت إلى بيان لم يكن للرد إليه معنى . القاضي عبد الوهاب
الثالثة : يجوز تخصيص القرآن بالسنة المتواترة ، قولا واحدا بالإجماع ، كما حكاه . وقال الأستاذ أبو منصور الآمدي : لا أعرف فيه خلافا ، لكن حكى بعضهم في الفعلية خلافا . وقال : لا خلاف في ذلك ، إلا ما يحكي الشيخ أبو حامد الإسفراييني في إحدى الروايتين . وقال داود ابن كج : لا شك في الجواز ، لأن الخبر المتواتر يوجب العلم كما أن ظاهر الكتاب يوجبه .
وألحق بالمتواتر الأخبار التي يقطع بصحتها . كتخصيص آية المواريث بحديث : { الأستاذ أبو منصور } وهو مثال للقولية . ومثلوا للفعلية بأن قوله : { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم الزانية والزاني } مخصوص بما تواتر عندهم من رجم المحصن تنبيه
كلام في الرسالة " يقتضي أن السنة لا تخص القرآن إلا إذا كان فيه احتمال التخصيص ، فإن قال فيها : ويقال خاص حتى تكون [ ص: 480 ] الآية تحتمل أن يكون أريد بها الخاص ، فأما إن لم يكن محتملة له فلا يقال فيها بما لا تحتمل الآية ، وهو الثابت في الحديث : { الشافعي } ، وهو نظير قوله في نسخ السنة القرآن . أنه يؤخذ من كل حالم دينار
الرابعة : يجوز تخصيص السنة المتواترة بالكتاب عند الجمهور ، وعن بعض فقهاء أصحابنا المنع ، وعن روايتان . قال أحمد ابن برهان : وهو قول بعض المتكلمين . وقال ، مكحول : السنة تقضي على الكتاب ، والكتاب لا يقضي على السنة . تنبيه ويحيى بن أبي كثير
سيأتي في باب النسخ من كلام أن السنة لا ينسخها القرآن إلا إذا كان معها سنة تبين أنها منسوخة ، وإلا خرجت السنن عن أيدينا ، فيحتمل أن لنا هنا اشتراطه ، ويحتمل خلافه ، والفرق أن النسخ رفع فهو أقوى من التخصيص . الشافعي
الخامسة : يجوز لأنه لا يمكن الخطأ فيه ، والعام يتطرق إليه الاحتمال . قال [ ص: 481 ] تخصيص عموم الكتاب ، وكذا السنة المتواترة بالإجماع الآمدي : لا أعرف فيه خلافا ، وكذا حكى الإجماع عليه قال : ومعناه أن يعلم بالإجماع أن المراد باللفظ العام بعض ما يقتضيه ظاهره ، وفي الحقيقة يكون التخصيص بدليل الإجماع ، لا بنفس الإجماع ، لكن حكى الأستاذ أبو منصور الإمام بن القشيري الخلاف هاهنا ، فقال : على معنى أنه إذا ورد لفظ عام واتفقت الأمة على أنه لا يجري على عمومه ، فالإجماع مخصص له كما قلنا في دليل العقل . والمخالف في تلك المسألة يخالف في هذه ، وقد بينا أن الخلاف لفظي . يجوز التخصيص بالإجماع
وقال : يجوز أبو الوليد الباجي فإذا أجمعوا على أن ما رفع عن العام خارج منه ، وجب القطع بخروجه وجوزنا أن يكون تخصيصا وأن يكون نسخا انتهى . التخصيص بالإجماع
فيما ذكره من احتمال النسخ نظر .
وقال القرافي : الإجماع أقوى من النص لأن الخاص ، لأن النص يحتمل نسخه ، والإجماع لا ينسخ لأنه إنما ينعقد بعد انقطاع الوحي وجعل الصيرفي من أمثلته قوله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا } قال : وأجمعوا على أنه لا جمعة على عبد ولا امرأة . ومثله بقوله تعالى : { ابن حزم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } واتفقت الأمة على أنهم إن بذلوا فلسا أو فلسين لم يجز بذلك حقن دمائهم ، كما قال : " الجزية " بالألف واللام علمنا أنه أراد جزية معلومة .