[ ص: 93 - 94 ] ( الحجة الثامنة ) وصورته أن يطالب المطلوب باليمين الدافعة فينكل فيحلف الطالب ، ويستحق بالنكول واليمين فإن جهل المطلوب ردها فعلى الحاكم أن يعلمه بذلك ، ولا يقضي حتى يردها فإن نكل الطالب فلا شيء له ، وقاله اليمين والنكول . الشافعي
وقال أبو حنيفة يقضي بالنكول ، ولا ترد اليمين على الطالب ، وقال وابن حنبل إن كانت الدعوى في مال كرر عليه ثلاثا فإن لم يحلف لزمه الحق ، ولا ترد اليمين ، وإن كانت في عقد فلا يحكم بالنكول بل يحبس حتى يحلف أو يعترف ، وفي النكاح والطلاق والنسب وغيره لا مدخل لليمين فيه فلا نكول ، وقال أبو حنيفة يحبس في جميع ذلك حتى يحلف لنا وجوه : ابن أبي ليلى
( الأول ) قوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ، ولا يمين بعد يمين إلا ما ذكرناه غير أن ظاهره يقتضي يمينا بعد يمين ، وهو خلاف الإجماع فتعين حمله على يمين بعد رد يمين على حذف [ ص: 93 ] المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لأن اللفظ إذا ترك من وجه بقي حجة في الباقي .
( الثاني ) ما روي { الأنصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إن اليهود قتلت عبد الله ، وطرحته في نقير فقال عليه السلام تحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا قال فتحلف اليهود قالوا كيف يحلفون ، وهم كفار } فجعل عليه السلام اليمين في جهة الخصم خرجه صاحب الموطإ وغيره أن
( والثالث ) ما روي أن اقترض من المقداد عثمان سبعة آلاف درهم فلما كان وقت القضاء جاء بأربعة آلاف درهم فقال عثمان أقرضتك سبعة آلاف درهم فترافعا إلى عمر فقال يحلف المقداد عثمان فقال عمر لعثمان لقد أنصفك . فلم يحلف عثمان فنقل عمر اليمين إلى المدعي ، ولم يختلف في ذلك عمر وعثمان ولم يخالفهم غيرهم فكان إجماعا . والمقداد
( الرابع ) القياس على النكول في باب القود والملاعنة لا تحد بنكول الزوج .
( الخامس ) لو نكل عن الجواب في الدعوى لم يحكم عليه مع أنه نكول عن اليمين والجواب فاليمين وحده أولى بعدم الحكم .
( السادس ) أن البينة حجة المدعي ، واليمين حجة المدعى عليه في النفي ، ولو امتنع المدعي من إقامة البينة لم يحكم عليه بشيء فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين لم يحكم عليه .
( السابع ) أن المدعي إذا امتنع من إقامة البينة كان للمدعى عليه إقامتها فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين فيكون للآخر فعلها .
( الثامن ) أن النكول إذا كان حجة تامة كالشاهدين وجب القضاء به في الدماء أو ناقصة كالشاهد والمرأتين أو يمين وجب استغناؤه عن التكرار أو كالاعتراف يقبل في القود بخلافه فالاعتراف لا يفتقر إلى تكرار بخلافه احتجوا بوجوه :
( الأول ) قوله تعالى { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } فمنع سبحانه أن يستحق بيمينه على غيره حقا فلا ترد اليمين لئلا يستحق بيمينه مال غيره
( الثاني ) الملاعن إذا نكل حد بمجرد النكول
( الثالث ) أن ولى ابن الزبير ابن أبي مليكة قضاء اليمن فجاء إلى فقال إن هذا الرجل ولاني هذا البلد ، وإنه لا غناء لي عنه فقال له ابن عباس : اكتب لي بما يبدو لك قال فكتب إليه في جاريتين جرحت إحداهما الأخرى في كفها فكتب إليه ابن عباس احبسها إلى بعد العصر ، واقرأ عليها { ابن عباس إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } قال ففعل ذلك ، واستحلفها فأبت فألزمها ذلك
( الرابع ) قوله صلى الله عليه وسلم { } فجعل اليمين في جهة المدعى عليه فلم يبق يمين تجعل في جهة المدعي ، وجعل حجة المدعي البينة ، وحجة المدعى عليه اليمين ، ولما لم يجز نقل حجة المدعى عليه إلى جهة المدعى عليه لم يجز أيضا نقل جهة المدعى عليه إلى جهة المدعي البينة على [ ص: 94 ] من ادعى ، واليمين على من أنكر
( الخامس ) قوله عليه السلام { } ، ولم يقل أو يمينك شاهداك ويمينه
( السادس ) أن البينة للإثبات ، ويمين المدعى عليه للنفي فلما تعذر جعل البينة للنفي تعذر أيضا جعل اليمين للإثبات ، والجواب عن الأول أن معنى الآية أن لا تنفذ اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره ، وهذه ليست كذلك ، ومجرد الاحتمال لا يمنع ، وإلا منع المدعى عليه من اليمين الدافعة لئلا يأخذ بها مال غيره بل يحكم بالظاهر ، وهو الصدق ، وعن الثاني أن الموجب لحد الملاعن قذفه ، وإنما أيمانه مسقطة فإذا فقد المانع عمل بالمقتضى ، والنكول عندكم مقتضى فلا جامع بينهما ، وعن الثالث أنه روى عن ابن أبي مليكة أنه قال اعترفت فألزمتها ذلك ، ولعله برأيه لا برأي فإن ابن عباس لم يأمره بالحكم عليها بذلك ، والتابعي لا حجة في فعله ، وعن الرابع أنه ورد لمن توجه عليه اليمين ابتداء ، ونحن نقول به ، وأما ما نحن فيه فلم يتعرض له الحديث ألا ترى أن المنكر قد يقيم البينة إذا ادعى وفاء الدين فكذلك اليمين قد توجد في حق المدعي في الرتبة الثانية ، وعن الخامس أنه لبيان من يتوجه عليه اليمين ابتداء في الرتبة الأولى كما تقدم تقريره ، وعن السادس أنا لم نجعل اليمين وحدها للإثبات بل اليمين مع النكول ثم إن البينة قد تكون للنفي كما تقدم تقريره مثل بينة القضاء فإنه نفي . ابن عباس