( الفرق الرابع والثلاثون والمائة بين قاعدة تعذر المحلوف عليه عقلا وبين قاعدة تعذره عادة أو شرعا )
اعلم أنه لم يحنث إذا لم يمكنه الفعل قبل ذلك فإن أمكنه ثم [ ص: 86 ] تعذر حنث والفرق بين التعذر العقلي وغيره أن الناس إنما يقصدون بأيمانهم الحنث على الفعل الممكن لهم أما المتعذر عقلا فلم يوضع اللفظ في القسم حاثا عليه فلذلك المتعذر عقلا لا يوجب حنثا لأن الحلف على الشيء مشروط بإمكانه وفوات الشرط يقتضي عدم المشروط فلا يبقى الفعل محلوفا عليه فلا يضره عدم فعله أما التعذر العادي أو الشرعي الذي يكون الفعل معه ممكنا عادة فهذا مندرج في اليمين عملا بظاهر اللفظ فإن الحلف اقتضى الفعل في جميع الأحوال إلا ما دل الدليل على إخراجه وقيل المتعذرات كلها سواء وفي الفرق عدة مسائل ( المسألة الأولى ) إذا حلف ليفعلن كذا وتعذر الفعل عقلا
إذا قال حلف ليذبحن الحمامة فقام مكانه فوجدها ميتة ابن القاسم لا حنث عليه بخلاف لو والشافعي عند حلف ليبيعن أمته فيجدها حاملا ابن القاسم يحنث لأن المانع شرعي وسوى بينهما في عدم الحنث قال سحنون الحالف ليضربن امرأته إلى سنة فتموت قبل السنة لم يحنث بموتها وهو على بر قال مالك عبد الحق في تهذيب الطالب إن حلف ليركبن الدابة فتسرق يحنث عند ابن القاسم لأن الفعل ممكن عادة وإنما منعه السارق بخلاف موت الحمام وقال لا يحنث لأنه متعذر بسبب السرقة فإن ماتت قبل التمكن بر لتعذر الفعل عقلا ومنع الغاصب والمستحق كالسارق وإن حلف ليضربن عبده فكاتبه أو ليبيعن أمته فوجدها حاملا يحنث لأن المانع شرعي والفعل ممكن وقال أشهب لا يحنث لأنه متعذر وإن حلف ليطأها فوجدها حائضا يخرج الحنث على الخلاف . سحنون
وقال إن حلف ليصومن رمضان وشوالا إن صام يوم الفطر بر وإلا حنث أشهب
( تنبيه ) ومعنى قول الأصحاب الفعل متعذر عقلا يريدون أن فعله من خوارق العادات وإلا فيمكن عقلا أن الله تعالى يحيي الحمام والحيوان حتى يتأتى فيه أفعال الأحياء لكن ذلك خارق للعادة بخلاف السارق ونحوه لا يقال إن الفعل مستحيل عادة فإن من الممكن عادة القدرة على السارق والغاصب ويفعل ما حلف عليه فهذا تحرير القاعدتين والفرق بينهما .