( الفرق السابع والأربعون بين قاعدة الحصانة لا تعود بالعدالة وقاعدة الفسوق يعود بالجناية )
اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=10509الإنسان إذا حكم له بالفسوق ثم تاب وأناب ذهب القضاء عليه بالفسوق فإذا جنى بعد ذلك كبيرة عاد الفسوق له وإذا كان محصنا بعدم مباشر الزنى ثم زنى ذهب الإحصان الذي هو شرط في حد القذف فمن
nindex.php?page=treesubj&link=10503قذف من ليس بمحصن فلا حد عليه فإذا صار بعد الزنى عدلا لم تعد الحصانة بالعدالة وفي القاعدتين قد ورد الضد بعد الضد المنافي لحكمه ظاهرا قال أصحابنا إذا قذفه بعد أن صار عدلا لم يحد نقله صاحب الجواهر وصاحب النوادر وجماعة من الأصحاب وفي الجواهر
nindex.php?page=treesubj&link=26719لو لاعن المرأة وأبانها ثم قذفها بتلك الزنية لم يحد ولم يلاعن لاستيفاء موجب اللعان قبل ذلك وقال
ربيعة يحد وإن قذفها بزنية أخرى فإن كانت لم تلاعن وحدت لم يجب الحد لسقوط حصانتها بتلك الزينة بموجب لعانه .
وإن لاعنت وجب الحد وإن قذفها أجنبي فأولى بالحد لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى لغيره ووقع في كتاب القذف إذ
nindex.php?page=treesubj&link=10509قذف من ثبت عليه الزنى وحسنت حالته بعد ذلك لا يحد لأن الحصانة لا تعود بالعدالة فمن ثبت فسقه بالزنى ذهبت حصانته وهذا مقام تزلزلت فيه الفكر واضطربت فيه العبر وكيف يصير المقذوف من أهل الولاية والعدالة وجانبه مهتضم وعرضه مطرح والزنية الثانية التي رماه بها أو رمى المرأة بها لم يقم عليها مصدق للرمي وأي فرق بين هذه الأذية ههنا وبين أذية من لم يتقدم له زنى وهما مؤلمان مؤذيان للمرمي أذية ظاهرها الكذب ، أما إذا رماها بالزنية الأولى لهو صادق فلا يلحق بمحل الإجماع في الحد لقصوره عنه بل التعزير لمطلق الأذية
[ ص: 121 ] بل القياس الجلي أن العرض إذا صار مثلوما بمعاودة الجناية أن يصير معصوما بمعاودة العدالة والولاية
( والجواب ) وهو الفرق بين القاعدتين أن البحث ههنا يظهر بقاعدتين
( القاعدة الأولى )
nindex.php?page=treesubj&link=10799_13025_10242_20597أن الله تعالى إذا نصب سببا لحكمه اختلف العلماء هل يجوز ترتيب الحكم على تلك الحكمة حيث وجدت لأنها أصل في اعتبار ذلك السبب أو لا يجوز لأن الله تعالى لم ينصبها سببا لذلك الحكم بل سبب سببه وقد لا يصح سبب سبب الحكم سببا للحكم لعدم المناسبة ألا ترى أن خوف الزنى سبب وجوب الزواج والزواج سبب وجوب النفقة ولا يناسب أن يكون خوف الزنى سبب وجوب النفقة ونظائره كثيرة وهذا هو الصحيح عند العلماء كما نصب الله تعالى السرقة سببا للقطع لحكمة حفظ المال ومن أخذ مالا بغير السرقة لا يجوز قطعه ونصب الزنى سببا للرجم لحكمة حفظ الأنساب لئلا تلتبس فمن سعي في التباس الأنساب بغير الزنى بأن
nindex.php?page=treesubj&link=10279_12852_20597يجمع الصبيان ويغيبهم صغارا ويأتي بهم كبارا فلا يعرفهم آباؤهم لا يجوز رجمه لذلك وكذلك شرع الرضاع سببا للتحريم بسبب أن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزء الرضيع باغتذائه به وصيرورته من أعضائه فأشبه ذلك منيها ولحمتها في النسب لأنهما جزء الجنين ولذلك قال عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14303الرضاع لحمة كلحمة النسب } .
فإذا أخذنا نعلل بهذا الحكمة لزمنا أن من شرب دم امرأة أو أو أكل قطعة من لحمها يحرم عليها وتحرم عليه وليس كذلك ولأجل ملاحظة التعليل بالحكمة إذا استهلك اللبن وعدم ما يسمى رضاعا ولبنا وتناوله الصبي فمن علل بالحكمة أوقع به الحرمة قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف من أصحابنا وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة لا تقع به الحرمة إعراضا عن التعليل بالحكمة وقاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين اللبن المغلوب بالماء والمختلط بالطعام وإن كان اللبن غالبا لا يحرم لأن الطعام أصل واللبن تابع والدواء كالماء عنده وههنا في باب القذف شرع سببا للجلد لحكمة حفظ الأعراض وصون القلوب عن الأذيات لكن اشترط فيه الإحصان ومن جملة عدم مباشرة الزنى فمن باشر فقد انتفى في حقه عدم المباشرة فإن النقيضين لا يصدقان والعدالة بعد ذلك لا ينافي كونه مباشرا فإن لاحظنا الحكمة دون السبب حسن إعادة الحد وإن اقتصرنا على خصوص
[ ص: 122 ] السبب لا يجب الحد ويؤكد ذلك أن الحدود يغلب عليها التعبد من جهة مقاديرها وإن كانت معقولة المعنى من جهة أصولها والتعبد لا يجوز التصرف فيه فظهر أنه لا يلزم من الاستواء في الأذية الاستواء في الحد بل يعزر إن آذاه بالقذف على قاعدة السب والشتم فلا تضيع المصلحة ولا تستباح الأعراض وتنعصم بالتعزير وقد يزيد التعزير على الحد على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله فلا يستنكر إسقاط الحد في هذه الصورة
( القاعدة الثانية ) قاعدة حمل المطلق على المقيد وذلك أن الله تعالى قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } الآية وقال في الآية الأخرى {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة } فالآية الأولى مطلقة وهذه مقيدة بوصف الغفلة فتحمل المطلقة على المقيدة على القاعدة في أصول الفقه والمباشر للزنى ليس بغافل عنه فلا يحد قاذفه لأنه لو حد لحصل معنى اللعن في الدنيا والآخرة وهو منفي بهذه الآية من جهة مفهومها الذي هو مفهوم الصفة لأن مفهومها أن من ليس بغافل لا يحد قاذفه ولا يلعن في الدنيا والآخرة وهو المطلوب وقد اتفقنا على أنه يلعن بالتعزير والعقوبة المؤلمة على حسب حال المقذوف فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل أما عود الفسوق بعود الجناية فلأن الأمة مجمعة على أن سبب الفسوق هو ملابسة الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة من حيث هو هذا المعنى من غير قيد ولا شرط وهو معقول المعنى بحيث وجب القضاء بفسق ملابسه من غير استثناء صورة عن صورة عملا بطرد العلة ووجود الموجب فهذا هو الفرق بين القاعدتين .
( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَصَانَةِ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ وَقَاعِدَةُ الْفُسُوقِ يَعُودُ بِالْجِنَايَةِ )
اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10509الْإِنْسَانَ إذَا حُكِمَ لَهُ بِالْفُسُوقِ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ ذَهَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْفُسُوقِ فَإِذَا جَنَى بَعْدَ ذَلِكَ كَبِيرَةً عَادَ الْفُسُوقُ لَهُ وَإِذَا كَانَ مُحْصَنًا بِعَدَمِ مُبَاشِرِ الزِّنَى ثُمَّ زَنَى ذَهَبَ الْإِحْصَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10503قَذَفَ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَارَ بَعْدَ الزِّنَى عَدْلًا لَمْ تَعُدْ الْحَصَانَةُ بِالْعَدَالَةِ وَفِي الْقَاعِدَتَيْنِ قَدْ وَرَدَ الضِّدُّ بَعْدَ الضِّدِّ الْمُنَافِي لِحُكْمِهِ ظَاهِرًا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَذَفَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ عَدْلًا لَمْ يُحَدَّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَصَاحِبُ النَّوَادِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ
nindex.php?page=treesubj&link=26719لَوْ لَاعَنَ الْمَرْأَةَ وَأَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ لِاسْتِيفَاءِ مُوجِبِ اللِّعَانِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ
رَبِيعَة يُحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُلَاعِنْ وَحُدَّتْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِسُقُوطِ حَصَانَتِهَا بِتِلْكَ الزِّينَةِ بِمُوجِبِ لِعَانِهِ .
وَإِنْ لَاعَنَتْ وَجَبَ الْحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَوْلَى بِالْحَدِّ لِأَنَّ أَثَرَ لِعَانِ الزَّوْجِ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذْ
nindex.php?page=treesubj&link=10509قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَى وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحَصَانَةَ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ فَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بِالزِّنَى ذَهَبَتْ حَصَانَتُهُ وَهَذَا مَقَامٌ تَزَلْزَلَتْ فِيهِ الْفِكَرُ وَاضْطَرَبَتْ فِيهِ الْعِبَرُ وَكَيْفَ يَصِيرُ الْمَقْذُوفُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْعَدَالَةِ وَجَانِبُهُ مُهْتَضِمٌ وَعِرْضُهُ مُطَّرِحٌ وَالزَّنْيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا أَوْ رَمَى الْمَرْأَةَ بِهَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا مُصَدِّقٌ لِلرَّمْيِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ الْأَذِيَّةِ هَهُنَا وَبَيْنَ أَذِيَّةِ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ زِنًى وَهُمَا مُؤْلِمَانِ مُؤْذِيَانِ لِلْمَرْمِيِّ أَذِيَّةً ظَاهِرُهَا الْكَذِبُ ، أَمَّا إذَا رَمَاهَا بِالزَّنْيَةِ الْأُولَى لَهُوَ صَادِقٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَدِّ لِقُصُورِهِ عَنْهُ بَلْ التَّعْزِيرُ لِمُطْلَقِ الْأَذِيَّةِ
[ ص: 121 ] بَلْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ أَنَّ الْعِرْضَ إذَا صَارَ مَثْلُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَصِيرَ مَعْصُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْعَدَالَةِ وَالْوِلَايَةِ
( وَالْجَوَابُ ) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْبَحْثَ هَهُنَا يَظْهَرُ بِقَاعِدَتَيْنِ
( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى )
nindex.php?page=treesubj&link=10799_13025_10242_20597أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا نَصَّبَ سَبَبًا لِحُكْمِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْحِكْمَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَصِّبْهَا سَبَبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ سَبَبُ سَبَبِهِ وَقَدْ لَا يَصِحُّ سَبَبُ سَبَبِ الْحُكْمِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَوْفَ الزِّنَى سَبَبُ وُجُوبِ الزَّوَاجِ وَالزَّوَاجَ سَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ خَوْفُ الزِّنَى سَبَبَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَصَّبَ اللَّهُ تَعَالَى السَّرِقَةَ سَبَبًا لِلْقَطْعِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْمَالِ وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ السَّرِقَةِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَنَصَّبَ الزِّنَى سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ فَمَنْ سَعْي فِي الْتِبَاسِ الْأَنْسَابِ بِغَيْرِ الزِّنَى بِأَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10279_12852_20597يَجْمَعَ الصِّبْيَانَ وَيُغَيِّبَهُمْ صِغَارًا وَيَأْتِيَ بِهِمْ كِبَارًا فَلَا يَعْرِفُهُمْ آبَاؤُهُمْ لَا يَجُوزُ رَجْمُهُ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ شَرَعَ الرَّضَاعَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ بِسَبَبِ أَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءَ الرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَنِيَّهَا وَلَحْمَتَهَا فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُمَا جُزْءُ الْجَنِينِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14303الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ } .
فَإِذَا أَخَذْنَا نُعَلِّلُ بِهَذَا الْحِكْمَةَ لَزِمَنَا أَنَّ مَنْ شَرِبَ دَمَ امْرَأَةٍ أَوْ أَوْ أَكَلَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَ اللَّبَنُ وَعُدِمَ مَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَبَنًا وَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْحِكْمَةِ أَوْقَعَ بِهِ الْحُرْمَةَ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17098مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَقَعُ بِهِ الْحُرْمَةُ إعْرَاضًا عَنْ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَقَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اللَّبَنُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَاءِ وَالْمُخْتَلِطُ بِالطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ وَالدَّوَاءُ كَالْمَاءِ عِنْدَهُ وَهَهُنَا فِي بَابِ الْقَذْفِ شُرِعَ سَبَبًا لِلْجَلْدِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَعْرَاضِ وَصَوْنِ الْقُلُوبِ عَنْ الْأَذِيَّاتِ لَكِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَمِنْ جُمْلَةِ عَدَمِ مُبَاشَرَةِ الزِّنَى فَمَنْ بَاشَرَ فَقَدْ انْتَفَى فِي حَقِّهِ عَدَمُ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَصْدُقَانِ وَالْعَدَالَةُ بَعْدُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُبَاشِرًا فَإِنْ لَاحَظْنَا الْحِكْمَةَ دُونَ السَّبَبِ حَسُنَ إعَادَةُ الْحَدِّ وَإِنْ اقْتَصَرْنَا عَلَى خُصُوصِ
[ ص: 122 ] السَّبَبِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ أُصُولِهَا وَالتَّعَبُّدُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَذِيَّةِ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحَدِّ بَلْ يُعَزَّرُ إنْ آذَاهُ بِالْقَذْفِ عَلَى قَاعِدَةِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ فَلَا تَضِيعُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا تُسْتَبَاحُ الْأَعْرَاضُ وَتَنْعَصِمُ بِالتَّعْزِيرِ وَقَدْ يَزِيدُ التَّعْزِيرُ عَلَى الْحَدِّ عَلَى أَصْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَسْتَنْكِرُ إسْقَاطَ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) قَاعِدَةُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الْآيَةَ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } فَالْآيَةُ الْأُولَى مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ بِوَصْفِ الْغَفْلَةِ فَتُحْمَلُ الْمُطْلَقَةُ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْمُبَاشِرُ لِلزِّنَى لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْهُ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُدَّ لَحَصَلَ مَعْنَى اللَّعْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ جِهَةِ مَفْهُومِهَا الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِغَافِلٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَا يُلْعَنُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يُلْعَنُ بِالتَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةِ الْمُؤْلِمَةِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَقْذُوفِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَمَّا عَوْدُ الْفُسُوقِ بِعَوْدِ الْجِنَايَةِ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْفُسُوقِ هُوَ مُلَابَسَةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَلَا شَرْطٍ وَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى بِحَيْثُ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِفِسْقِ مُلَابِسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ صُورَةٍ عَنْ صُورَةٍ عَمَلًا بِطَرْدِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِ الْمُوجِبِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ .