فأما إن فينبغي أن يساوي بينهما في العظة وهذا مما يتفق عليه القضاة وولاة المظالم ثم يختص ولاة المظالم بعد العظة بالإرهاب لهما معا لتساويهما ، ثم بالكشف عن أصل الدعوى وانتقال الملك ، فإن ظهر بالكشف ما يعرف به المحقق منهما عمل عليه ; وإن لم يظهر بالكشف ما ينفصل به تنازعهما ردهما إلى وساطة وجوه الجيران وأكابر العشائر ، فإن نجز بها ما بينهما وإلا كان فصل القضاء بينهما وهو خاتمة أمرهما بحسب ما يراه من المباشرة لبت الحكم والاستنابة فيه . وربما ترافع إلى ولاة المظالم في غوامض الأحكام ومشكلات الخصام ما يرشده إلى الجلساء ويفتحه عليه العلماء فلا ينكر منهم الابتداء ولا يستكثر أن يعمل به في الانتهاء ، كالذي رواه اعتدلت حال المتنازعين وتقابلت بينة المتشاجرين ولم يترجح حجة أحدهما بأمارة أو مظنة عن الزبير بن بكار إبراهيم الحرمي بن محمد بن معن الغفاري أن امرأة أتت رضي الله عنه فقالت يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله ، فقال لها نعم الزوج زوجك ، فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب ، فقال له عمر بن الخطاب كعب بن سور الأسدي يا أمير المؤمنين هذه امرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها في فراشه .
فقال له رضي الله عنه كما فهمت كلامها فاقض بينهما ، فقال عمر كعب علي بزوجها فأتي به ; فقال إن امرأتك تشكوك فقال أفي طعام أو شراب ؟ قال لا في واحد منهما ، فقالت المرأة ( من الرجز )
يا أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده زهده في مضجعي تعبده
نهاره وليله ما يرقده فلست في أمر النساء أحمده
فاقض القضا يا كعب لا تردده
[ ص: 116 ]
زهدني في فرشها وفي الحجل أني امرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة النحل وفي السبع الطول وفي كتاب الله تخويف جلل
فقال كعب ( من الرجز ) :
إن لها حقا عليك يا رجل نصيبها في أربع لمن عقل
فأعطها ذاك ودع عنك العلل