المبحث الرابع: تصرف الوصي في مال الصغار من الأيتام، ونحوهم من القصر
وفيه مطالب:
المطلب الأول: بيع الوصي وشراؤه من نفسه
اختلف العلماء -رحمهم الله- في لنفسه على قولين: بيع وشراء الوصي من مال اليتيم ونحوه
القول الأول: أنه يجوز للولي أن يبيع وأن يشتري مال اليتيم لنفسه إذا زالت التهمة، بأن يزيد على ثمن المثل في الشراء، وينقص عنه في البيع.
وهو مذهب الحنفية، لكن استثنى القاضي ووصيه فلا يملك ذلك. أبو حنيفة:
واشترط الحنفية: أن يكون الشراء فيه خير، والخيرية في العقار في الشراء التضعيف، وفي البيع التصنيف، وفي غير العقار أن يبيع ما يساوي خمسة عشر بعشر من اليتيم، ويشتري ما يساوي عشرا بخمسة عشر لنفسه من مال اليتيم، فالخيرية في غير العقار زيادة الثلث في الشراء.
[ ص: 262 ] والمالكية، لكن استثنى المالكية الشيء القليل إذا اشتراه بالثمن الذي انتهت إليه الرغبات بعد شهرته للبيع في السوق.
والمالكية ينصون على الكراهة، فإن اشترى شيئا من التركة تعقبه الحاكم بالنظر في المصلحة، فإن كان صوابا أمضاه وإلا رده.
وهو رواية عن فقد ورد عن الإمام أحمد، الجواز بشرطين: الإمام أحمد
أ- أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء.
ب- أن يتولى النداء غيره.
وبه قال إلا أنه لم يشترط الزيادة، بل يشترط عنده عدم المحاباة. ابن حزم،
وحجة هذا القول:
1- قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن .
وجه الدلالة: أن الآية أفادت جواز قربان مال اليتيم بالبيع والشراء إذا كان ذلك بالتي هي أحسن، وهذا عام يشمل الولي، وغيره.
(321) 2- ما رواه من طريق عبد الرزاق سالم، عن -رضي الله عنهما-: أنه اقترض مال اليتيم». ابن عمر
وجه الدلالة: أن في القرض نوعا من التبرع، فإذا جاز ذلك في القرض، فجوازه في عقود المعاوضات من باب أولى.
[ ص: 263 ] ونوقش: بقول «إنما استقرض نظرا لليتيم، واحتياطا إن أصابه شيء غرمه». الإمام أحمد:
3- أن تصرف الولي إنما هو بولاية مستقلة، فأشبه الأب والجد.
4- أنه متى باع من نفسه بزيادة على ما يباع به علم أنه أراد نفع اليتيم، فنفذ تصرفه فيه كما لو باعه من أجنبي.
5- أنه يجوز له بيعه من الأجنبي بما لا زيادة فيه متيقنة، فبيعه من نفسه -أي الولي- بالزيادة المتيقنة أولى.
6- أن الغرض من البيع حصول الثمن لا أعيان المشترين، بدليل أن الوكيل إذا ابتاع لموكله ولم يسمه جاز، فإذا ثبت ذلك فمتى حصل الثمن مستوفى فيجب أن يصح الشراء، كما لو حصل من أجنبي.
واحتج أن الولي مأمور بالقيام بالقسط، والتعاون على البر، فإذا فعل ما أمر به فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل، ولم يأت قط نص قرآن ولا سنة بالمنع. ابن حزم:
القول الثاني: أنه ليس للولي أن يبيع أو يشتري من نفسه.
وهو مذهب الشافعية... [ ص: 264 ] والحنابلة، لكن استثنى الشافعية الجد، فقالوا: له أن يشتري ويبيع من نفسه.
وحجته:
1- ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا يشتري الوصي من مال اليتيم».
ويناقش: بأنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(322) 2- ما رواه من طريق عبد الرزاق أبي إسحاق، عن قال: جاء صلة بن زفر رجل من عبد الله بن مسعود همدان على فرس أبلق، فقال: إن رجلا أوصى إلي تركة له، وإن هذا من تركته أفأشتريه؟ «قال: لا، ولا تشتر من ماله شيئا».
ولعله يناقش: بأنه محمول على الاحتياط لليتيم.
3- أنه متهم في طلب الحفظ له في بيع ماله من نفسه، فلم يجعل ذلك إليه.
ولعله يناقش: بأن الجواز مشروط بعدم التهمة.
4- أن من لا يجوز له أن يشتري بثمن المثل لا يجوز له أن يشتري بأكثر كالوكيل.
ولعله يناقش: بأن الأصل المقيس عليه موضع خلاف بين أهل العلم.
[ ص: 265 ] وحجة الشافعية: أن الأب والجد لا يتهمان لكمال شفقتهما.
* * *