[ ص: 155 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف
القول من أولها إلى قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا [الآيات: 1-30].
الحمد لله الذي أنـزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا [ ص: 156 ] وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا [ ص: 157 ] إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا .
[الأحكام والنسخ]:
ليس فيه نسخ، وليس فيه من الأحكام سوى قوله: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله: واذكر ربك إذا نسيت : الاستثناء، كذلك قال المعنى: ابن عباس: في حال اليمين، قال: وله أن يستثني ولو بعد سنة. استثن في يمينك إذا ذكرت أنك نسيت ذلك
وقال يستثني متى ذكر. أبو العالية:
المعنى: واذكر ربك إذا عصيت، وقيل: المعنى: واذكر ربك إذا تركت ذكره، فـ {نسيت} على هذا بمعنى: تركت. عكرمة:
وروي: أن ذلك إنما وعن خبر صاحب موسى، وعن الروح; قال لهم: "غدا أخبركم"، ولم يقل: إن شاء الله; فأبطأ عنه الوحي بضع عشرة ليلة، ثم جاءه بـ(سورة [ ص: 158 ] الكهف) ، وأمره بالاستثناء. نزل بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته اليهود عن ذي القرنين،
ولا يرى وكثير من العلماء الاستثناء إلا متصلا باليمين، وقد تقدم القول فيه. مالك
وقوله: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة الآية:
استدل بعض العلماء بهذه الآية على وأن فعل التوكيل جائز، واستدل بعضهم بها على إبطال قول من قال: لا يقبل التوكيل من غائب. جواز الوكالة،
وقد قال لا يقبل [توكيل المقيم إلا برضا من خصمه، إلا أن يكون مريضا، قال: وإن كان غائبا; فلا يقبل] له توكيل، إلا أن تكون غيبته ثلاثة أيام أو نحوها. أبو حنيفة: