التفسير:
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن وهب: "ألا أخبركم بسورة عظمها ما بين السماء والأرض، وبما جاء فيها من الأجر مثل ذلك؟"، قالوا: يا نبي الله; أي [ ص: 159 ] سورة هي؟ قال: "سورة الكهف، من قرأ بها يوم الجمعة; أعطي نورا بين السماء والأرض، ووقي بها فتنة القبر".
وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنس غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام". "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة;
وقوله تعالى: الحمد لله الذي أنـزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما } المعنى: قيما ولم يجعل له عوجا، قال الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب أي: (لم يجعله ملتبسا، وعنه أيضا]: لم يجعله مخلوقا، وقيل: لم يجعل له اختلافا. ابن عباس:
و (العوج) : العدول عن طريق الاستقامة.
ومعنى قوله: {قيما} في قول عدلا، ابن عباس: مستقيما، الضحاك: ابن إسحاق: معتدلا لا اختلاف فيه، وقيل: معناه: قيما على الكتب يصدقها.
لينذر بأسا شديدا أي: لينذرهم ببأس; أي: بعذاب.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم أي: كبرت مقالتهم: -اتخذ الله ولدا- [ ص: 160 ] من كلمة، وقيل: فيه معنى التعجب; أي: ما أكبرها من كلمة!
فلعلك باخع نفسك على آثارهم أي: قاتل نفسك بعدهم.
إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أي: القرآن.
{أسفا} : قال أي: حزنا، الحسن: جزعا، مجاهد: غضبا. قتادة:
والذين قالوا اتخذ الله ولدا: كفار قريش; لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله عز وجل، قاله وغيره، وقيل: هم اليهود والنصارى. الحسن
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها : عموم معناه الخصوص، والمراد: ما تتزين به، وقيل: كل ما عليها زينة لها; لأنه دال على خالقه.
وعن قال: (الزينة) : الخلفاء والأمراء، وعنه أيضا: (الزينة) : الرجال، فما بمعنى: (من) ، وهو يصلح في الإبهام، ويقبح في الاختصاص. ابن عباس
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا : [(الصعيد) : وجه الأرض، وقيل]: المستوي، و (الجرز) : اليابس الذي لا ينبت; يعني: أنه يجعلها كذلك عند قيام الساعة.
أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم : {الكهف} : الغار في الجبل.
هو الغار في الوادي، و {والرقيم} : الوادي. قتادة:
مجاهد، {والرقيم} : كتاب كتب فيه وسعيد بن جبير: خبر أصحاب الكهف.
[ ص: 161 ] هو الدواة. عكرمة:
هو الصخرة. السدي:
هو اسم القرية التي خرجوا منها. كعب الأحبار:
هو الكلب. أنس بن مالك:
هو لوح من رصاص، كتبت فيه أسماؤهم، ودينهم، وخبر هربهم، وروي نحوه عن الفراء: فـ {الرقيم} على هذا بمعنى: (مرقوم) . ابن عباس،
وقد ذكر خبر أصحاب الكهف مختصرا في "الكبير".
وفي قوله: أم حسبت معنى الإنكار على السائلين عن أصحاب الكهف، كأنه قال: لا تعجبوا من أمرهم; ففي ما خلقناه من صنوف الخلق ما هو أعجب منهم.
وقال أخبر الله تعالى أن أمر أصحاب الكهف عجب; فليس فيه معنى التعجب، وهو بمعنى الإنكار عنده. مجاهد:
وقوله: فضربنا على آذانهم أي: أنمناهم.
{عددا} ذكر {عددا} ; ليدل على الكثرة; إذ لو لم يقل: {عددا} ، لتوهم أنها سنون قليلة.
ثم بعثناهم أي: من نومهم.
لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا أي: غاية. [ ص: 162 ] قال كان الحزبان من قوم الفتية كافرين، اختلفوا في مقدار لبثهم، وقيل: (الحزبان) : أصحاب الكهف، والقوم الذين كانوا أحياء وقت بعثهم. مجاهد:
ومعنى {لنعلم} : لنعلمه علم مشاهدة، وقد كان عالما به غيبا.
وربطنا على قلوبهم إذ قاموا : قال المعنى: ربطنا على قلوبهم بالإيمان، وقيل: صبرناهم، وثبتناهم. قتادة:
لقد قلنا إذا شططا أي: كذبا، و (الشطط) في اللغة: الجور، وتجاوز الحد، فـ (الشطط) في الآية: الغلو في الكذب.
هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة : هذا إخبار عن قول الفتية.
وكذلك قوله: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله : يقول بعضهم لبعض: وإذا اعتزلتم قومكم، واعتزلتم ما يعبدون سوى الله عز وجل; فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته .
ويهيئ لكم من أمركم مرفقا : (المرفق) : ما يرتفق به; أي: يستعان به، يقال: [(مرفق) ، و (مرفق) في الأمر واليد جميعا، أجازه وغيره، وأنكر الفراء كسر الميم في اليد. الكسائي
فيه ثلاث لغات]: (مرفق) ، و (مرفق) ، و (مرفق) ; فمن قال: (مرفق) ; جعله ما ينتقل; مثل: (مقطع) ; ومن قال: (مرفق) ; فهو كـ (مسجد) ; [ ص: 163 ] لأنه من (رفق يرفق) ; كـ (سجد يسجد) ، ومن قال: (مرفق) ; فهو (مفعل) من (الرفق) . الأخفش:
وقوله: وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال : (التزاور) : الميل والانحراف، روي معناه عن وغيره. قتادة،
{تقرضهم} : تتركهم، وحكاه مجاهد: البصريون عن أهل اللغة.
الفراء، تحاذيهم. والكسائي:
وقال بعض أهل اللغة: أصله: من القطع; من قولك: (قرضه بالمقراض) ; فـ {تقرضهم} معناه: تقطع موضعهم، وتجاوزهم.
وقيل: المعنى: تعطيهم شيئا من شعاعها، ثم تأخذه بانصرافها; من قرض الدراهم التي ترد.
و (الفجوة) : المتسع من الأرض، قال قتادة: في فجوة منه : في فضاء منه، وقال غيره: في ناحية منه.
[ ص: 164 ] وروي: أن باب الكهف كان محاذيا لبنات نعش.
كان كهفهم في القبلة. عكرمة:
لو كانت الشمس تطلع عليهم وتغرب; لاحترقوا، ولولا أنهم يقلبون; لأكلتهم الأرض. ابن عباس:
وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ; لأنهم كانوا -فيما روي- مفتحي الأعين، وقيل: لكثرة تقلبهم.
وقوله: ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال : قال أبو عياض: كان لهم في كل عام تقليبتان.
وقوله: وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد : {وكلبهم} : كلب كان معهم في قول سائر المفسرين، سوى قول شاذ: إنه كان إنسانا طباخا لهم.
و (الوصيد) في قول ابن عباس، وغيرهما: الباب. ومجاهد،
التراب، وقيل: فناء الباب، وقيل: العتبة، يقال: (وصيد) ، و (أصيد) ، وجمع (وصيد) : (وصائد) ، و (وصد) . قتادة:
[ ص: 165 ] لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا : قيل: لما يرى من طول أظفارهم وشعورهم، وقيل: للهيبة التي ألبسوها; يدل على ذلك قولهم: لبثنا يوما أو بعض يوم ; فلم ينكروا من أحوالهم شيئا.
وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم أي: بعثناهم من نومهم; ليسأل بعضهم بعضا، فيعلموا قدرة الله، ويزدادوا بصيرة.