الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان ذم البخل .

قال الله تعالى : ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقال تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وقال تعالى : الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ، وقال صلى الله عليه وسلم : إياكم والشح ، فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم ، واستحلوا محارمهم .

وقال صلى الله عليه وسلم : إياكم والشح ، فإنه دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم ، ودعاهم فاستحلوا محارمهم ، ودعاهم فقطعوا أرحامهم وقال صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا خائن ، ولا سيئ الملكة .

وفي رواية : ولا جبار ، وفي رواية : ولا منان وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله يبغض ثلاثة : الشيخ الزاني ، والبخيل المنان والمعيل المختال .

وقال صلى الله عليه وسلم : مثل المنفق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من لدن ثديهما إلى تراقيهما فأما المنفق ، فلا ينفق شيئا إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وأما البخيل ، فلا يريد أن ينفق شيئا إلا قلصت ولزمت كل حلقة مكانها حتى أخذت بتراقيه ، فهو يوسعها ، ولا تتسع .

قال صلى الله عليه وسلم : خصلتان لا تجتمعان في مؤمن : البخل ، وسوء الخلق .

وقال صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من البخل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر .

وقال صلى الله عليه وسلم : إياكم والظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وإياكم والفحش إن الله لا يحب الفاحش ، ولا المتفحش ، وإياكم والشح ، فإنما أهلك من كان قبلكم الشح ; أمرهم بالكذب فكذبوا ، وأمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا .

وقال صلى الله عليه وسلم : شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع .

وقتل شهيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكته باكية ، فقالت : واشهيداه ، فقال صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنه شهيد ، فلعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ، أو يبخل بما لا ينقصه .

التالي السابق


(بيان ذم البخل)

وهو إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه، ويقابله الجود .

والبخل ثمرة الشح، والشح يأمر بالبخل (قال الله تعالى: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) ، والشح بخل مع حرص، وهو ضد الإيثار، فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه، فالشحيح حريص على ما ليس بيده، فإذا حصل بيده شح وبخل، فالبخل ثمرة الشح، والشح يأمر بالبخل، والبخيل من أجاب داعي الشح، والمؤثر من أجاب داعي الجود، والسخاء، والإحسان .

(وقال) الله (تعالى: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) ، ثم البخل ضربان: بخل بقنيات نفسه، وبخل بقنيات غيره، وهو أكثرهما ذما .

(و) على ذلك (قال) الله (تعالى: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ، وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم) من الأمم (حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم) قال [ ص: 192 ] العراقي: رواه مسلم من حديث جابر بلفظ: واتقوا الشح، فإن الشح... الحديث، ولأبي داود، والنسائي في الكبرى، وابن حبان، والحاكم، وصححه من حديث عبد الله بن عمرو: إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا. انتهى .

قلت: وروى ابن جرير في التهذيب من حديث ابن عمر بلفظ: إياكم والشح، فإنما أهلك من كان قبلكم الشح، وأمرهم بالكذب فكذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا.

(وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والشح، فإنه دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم، ودعاهم فاستحلوا محارمهم، ودعاهم فقطعوا أرحامهم) .

قال العراقي: رواه الحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ: حرماتهم مكان: أرحامهم، وقال: صحيح على شرط مسلم. انتهى .

قلت: ورواه ابن جرير في التهذيب بلفظين; الأول: إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم من الأمم، دعاهم فسفكوا دماءهم، ودعاهم فقتلوا أولادهم.

والثاني: إياكم والبخل، فإن البخل دعا قوما فمنعوا زكاتهم، ودعاهم فقطعوا أرحامهم، ودعاهم فسفكوا دماءهم.

(وقال - صلى عليه وسلم -: لا يدخل الجنة) ، أي: مع الداخلين في الرعيل الأول من غير عذاب، ولا بأس، أو لا يدخلها حتى يعاقب بما اجترحه (بخيل) ، أي: من هو البخل صفة لازمة له، وتكرر منه ذلك (ولا خب) بفتح الخاء، وبكسرها، وهو الخداع الذي يفسد بين المسلمين بالخداع (ولا خائن، ولا سيئ الملكة) ، أي: التدبير في أمور معاشه، ومن ملكت يمينه (وفي رواية: ولا جبار، وفي رواية: ولا منان) .

قال العراقي: رواه أحمد، والترمذي، وحسنه من حديث أبي بكر، واللفظ لأحمد دون قوله: ولا منان، وهي عند الترمذي، ولابن ماجه: لا يدخل الجنة سيئ الملكة. انتهى .

قلت: لفظ أحمد فيه زيادة بعد قوله: ولا سيئ الملكة; وأول من يقرع باب الجنة المملوكون إذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين مواليهم، وعند أبي داود، والطيالسي: لا يدخل الجنة خب، ولا خائن.

وروى الخطيب في كتاب البخلاء، وابن عساكر في التاريخ بلفظ: لا يدخل الجنة خب، ولا بخيل، ولا لئيم، ولا منان، ولا خائن، ولا سيئ الملكة، وإن أول من يقرع باب الجنة المملوك، والمملوكة; فاتقوا الله، وأحسنوا فيما بينكم وبين الله، وفيما بينكم وبين مواليكم.

وعند أحمد أيضا: لا يدخل الجنة بخيل، ولا خب، ولا منان، ولا سيئ الملكة، وأول من يدخل الجنة المملوك إذا أطاع الله وأطاع سيده.

وهذا اللفظ قد رواه أيضا الخرائطي في مساوي الأخلاق من حديث أنس، ولفظ الترمذي من حديث أبي بكر: لا يدخل الجنة خب، ولا بخيل، ولا منان.

ورواه كذلك أبو يعلى، وضعفه المنذري، وقد ثبت لفظ: ولا منان في أخبار كثيرة، عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما عند الحسن بن سفيان، والطبراني، وابن منده ، وابن عساكر، وعن ابن عمر، كما عند النسائي، وابن جرير، وعن أبي سعيد الخدري، كما عند أحمد، وأبي يعلى، والبيهقي، وعن أبي زيد الجرمي، كما عند الطبراني، وعن أبي أمامة، كما عند الطيالسي، والترمذي، وقال: حسن غريب، وابن ماجه، والدارقطني في الأفراد من حديث أبي بكر، وعند أحمد، والترمذي من طريق أخرى، وحسنه الخرائطي بزيادة: قال رجل: يا رسول الله، أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثرها مملوكون وأيامى؟ قال: بلى، فأكرموهم كرامة أولادكم، وأطعموهم مما تأكلون.

ولم أجد رواية: ولا جبار إلا أن يكون بمعنى المتكبر، فقد روى مسلم من حديث ابن مسعود: لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر... الحديث .

ومعنى هذه الأخبار: لا يدخل الجنة مع هذه الخصلة حتى يطهر منها إما بتوبة في الدنيا، أو بالعفو، أو بالعذاب بقدره .

قال التوربشتي: هذا هو السبيل في تأويل أمثال هذه الأحاديث لتوافق أصول الدين، وقد هلك بحب التمسك بظواهر أمثال هذه النصوص الجم الغفير من المبتدعة، ومن عرف وجوه القول، وأساليب البيان من كلام العرب هان عليه التخلص بعون الله تعالى من تلك المشقة .

(وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث) خصال (مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) ، وثلاث منجيات: العدل في الغضب والرضا، وخشية الله في السر والعلانية .

رواه أبو الشيخ في التوبيخ، والطبراني في الأوسط أيضا من حديث أنس، ورواه الطبراني في الأوسط أيضا من حديث ابن [ ص: 193 ] عمر بزيادة: وثلاث كفارات، وثلاث درجات، وقد تقدم قريبا أيضا في كتاب العلم .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يبغض ثلاثة: الشيخ الزاني، والبخيل المنان) بعطائه (والمعيل) ، أي: ذا العيال (المختال) ، أي: المتكبر .

قال العراقي: رواه الترمذي، والنسائي من حديث أبي ذر دون قوله: البخيل المنان، وقال فيه: والغني الظلوم، وقد تقدم، وللطبراني في الأوسط من حديث علي: إن الله ليبغض الغني الظلوم، والشيخ الجهول، والعائل المختال، وسنده ضعيف. انتهى .

قلت: حديث أبي ذر رواه أيضا أحمد، وابن حبان، والضياء بلفظ: إن الله - عز وجل - يحب ثلاثة، ويبغض ثلاثة: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والمكثر البخيل، ويحب ثلاثة... الحديث .

ورواه الطيالسي، والطبراني، والحاكم، والبيهقي، والضياء أيضا بلفظ: إن الله يحب ثلاثة، ويبغض ثلاثة، فساقوا الحديث، وفيه: والثلاثة الذين يبغضهم الله: البخيل، والفخور، والتاجر الحلاف.

(وقال صلى الله عليه وسلم: مثل المنفق والبخيل كمثل كمثل رجلين عليهما جنتان) بضم الجيم، وتشديد النون، أي: درعان، وفي رواية: جبتان بالموحدة بدل النون، والجبة ثوب معروف، ورجحت الأولى بقوله: (من حديد) وادعى بعضهم أنه تصحيف (من لدن) ، أي: عند (ثديهما) بضم المثلثة، وكسر الدال المهملة، ومثناه تحتية مشددة جمع ثدي، وأصله ثدوى كفلس، وفلوس (إلى تراقيهما) جمع ترقوة، وهما العظمان المشرفان في أعلى الصدر (فأما المنفق، فلا ينفق شيئا إلا سبغت) ، أي: امتدت، وعظمت (أو وفرت) شك من الراوي (على جلده حتى تخفي) بضم تاء المضارعة، وسكون الخاء والمعجمة، وكسر الفاء، وفي رواية: تجن ، بجيم ونون، أي: تستر (بنانه) ، أي: أصابعه وأنامله، وصحفه بعضهم، فقال: ثيابه جمع ثوب; يعني أن الإنفاق يستر خطاياه كما يغطي الثوب جميع بدنه، والمراد أن الجواد إذا هم بالإنفاق انشرح له صدره، وطابت به نفسه فوسع فيه .

(وأما البخيل، فلا يريد ينفق شيئا إلا قلصت) ، أي: ارتفعت (ولزمت كل حلقة) بسكون اللام (مكانها) ، قال الطيبي: قيد المشبه به بالحديد إعلاما بأن القبض والشدة جبلي للإنسان وأوقع المنفق موقع السخي، فجعله في مقابل البخيل إيذانا بأن السخاء أمر به الشارع، وندب إليه لا ما يتعافاه المسلمون (حتى أخذت بتراقيه، فهو يوسعها، ولا تتسع) .

هكذا مرتين في سائر النسخ، ضرب المثل برجل أراد لبس درع يستجن به فحالت يداه بينهما، وبين أن يمر على جميع بدنه فاجتمعت في عنقه، فلزمت ترقوته، والمراد أن البخيل إذا حدث نفسه بالإنفاق شحت، وضاق صدره، وعلت يداه .

رواه أحمد، والشيخان، وابن حبان من حديث أبي هريرة بلفظ: مثل البخيل والمتصدق، وعندهم بعد قوله: بنانه، وتعفو أثره، وفيه: إلا لزقت بدل: لزمت، وفيه: فهو يوسعها، فلا تتسع مرة واحدة، وزعم بعضهم أن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من كلام أبي هريرة، وهو وهم لورود التصريح برفعه .

(وقال صلى الله عليه وسلم: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق) .

قال العراقي: رواه الترمذي من حديث أبي سعيد، وقال: غريب. انتهى .

قلت: ورواه أيضا الطيالسي، وعبد بن حميد، والبخاري في الأدب، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير في تهذيبه، والبيهقي في الشعب .

(وقال صلى الله عليه وسلم) في دعائه: (اللهم أني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر) .

رواه البخاري من حديث سعد، وقد تقدم في الأذكار والدعوات .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفاحش، ولا المتفحش، وإياكم والشح، فإنما أهلك من كان قبلكم الشح; أمرهم بالكذب فكذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا) قال العراقي: رواه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو دون قوله: أمرهم بالكذب فكذبوا ، وأمرهم بالظلم فظلموا، قال: عوضا عنهما: وبالبخل فبخلوا، وبالفجور ففجروا.

كذلك رواه أبو داود مقتصرا على ذكر الشح، وتقدم قبله بسبعة أحاديث، ولمسلم من حديث جابر: اتقوا الظلم، فإنه ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فذكره بلفظ آخر، فلم يذكر الفحش. انتهى .

قلت: حديث عبد الله بن عمرو قد تقدم قريبا، ولفظ أبي داود، والحاكم: إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح; أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وهكذا رواه ابن جرير في التهذيب، والبيهقي، وللطبراني من حديث المسور بن مخرمة: إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا [ ص: 194 ] الشح; إن الشح أهلك من كان قبلكم; حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم.

ولأحمد، والطبراني، والبيهقي من حديث ابن عمر: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.

وزاد أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري في الأدب، ومسلم، وأبو عوانة من حديث جابر: واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، وحملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم.

(وقال صلى الله عليه وسلم: شر ما في الرجل) ، أي: من مساوي أخلاقه (شح هالع) ، أي: جازع، يعني شح يحمل على الحرص على المال، والجزع على ذهابه، وقيل: هو أن لا يشبع، كلما وجد شيئا بلعه، ولا قرار له، ولا يتبين في جوفه، ويحرص على تهيئة شيء آخر .

قال التوربشتي: والشح بخل مع حرص، فهو أبلغ في المنع من البخل، فالبخل يستعمل بالضنة بالمال، والشح في كل ما تمتنع النفس عن الاسترسال فيه من بذل مال، أو معروف، أو طاعة.

قال: والهلع فحش الجزع، والمعنى أنه يجزع في شحه أشد الجزع على استخراج الحق منه (وجبن خالع) ، أي: شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه من الخلق، قال الطيبي: والفرق بين وصف الشح بالهلع، والجبن بالخلع أن الهلع في الحقيقة لصاحب الشح، فأسند إليه مجازا، فهما حقيقتان، لكن الإسناد مجازي، ولا كذلك الخلع; إذ ليس مختصا بصاحب الجبن حتى يسند إليه مجازا، بل هو وصف للجبن، لكن على المجاز حيث أطلق وأريد به الشدة، وإنما قال: شر ما في الرجل، ولم يقل: شر ما في النساء; لأن الشح والجبن مما تحمد به المرأة، ويذم به الرجل، أو لأن الخصلتين تقعان موقعا في الذم من الرجل فوق ما يقعان من النساء .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث أبي هريرة بسند جيد. انتهى .

قلت: ورواه كذلك البخاري في التاريخ، والحكيم في النوادر، وابن جرير في التهذيب، والبيهقي في الشعب، وقال ابن طاهر: إسناده متصل (وقتل شهيد) ، أي: استشهد رجل (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكته باكية، فقالت: واشهيداه، فقال صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أنه شهيد، فلعله قد كان يتكلم بما لا يعنيه، أو يبخل بما لا ينقصه) .

قال العراقي: رواه أبو يعلى من حديث أبي هريرة بسند ضعيف، والبيهقي من حديث أنس أن أمه قالت: ليهنك الشهادة، وهو عند الترمذي إلا أن فيه رجلا قال له: أبشر بالجنة. انتهى .

قلت: وسياق المصنف أورده في كتاب البخلاء، وكذلك البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة، ولكن بلفظ: إن رجلا قتل شهيدا فبكته باكية.

والباقي سواء، وتقدم للمصنف في آفات اللسان قصة لكعب بن عجرة تشبهها، وفيها: وما يدريك يا أم كعب؟ لعل كعبا قال ما لا يعنيه، أو منع ما لا يغنيه، وقد رواه ابن أبي الدنيا.




الخدمات العلمية