قوله تعالى : { فأنى تصرفون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال } . [ ص: 8 ]
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : في تفسير { الحق } وقد مهدناه في كتاب " الأمد الأقصى " في تسمية الباري تعالى به . ولبابه أن الحق هو الوجود ، والوجود على قسمين : وجود حقيقي ، ووجود شرعي .
فأما الوجود الحقيقي فليس إلا لله وصفاته ، وعليه جاء قوله صلى الله عليه وسلم : { } . أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق
فأما الله وصفاته فوجودها [ هو ] حق ; لأنه لم يسبقها عدم ، ولا يعقبها فناء .
وأما لقاء الله فهو حق سبقه عدم ، ويعقبه مثله . وأما الجنة والنار فهما حقان ، سبقهما عدم ، ولا يعقبها فناء ، لكن ما فيها من أنواع العذاب أعراض . وأما الوجود الشرعي فهو الذي يحسنه الشرع ، وهو واجب وغير واجب .
المسألة الثانية :
في : وهو ضد الحق ، والضد ربما أظهر حقيقة الضد ، فإذا قلنا : إن الله هو الحق حقيقة ، فما سواه باطل ، وعنه عبر الذي يقول : تحقيق معنى الباطل
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
وإن قلنا : [ إن ] الحق هو الحسن شرعا فالباطل هو القبيح شرعا ، ومقابلة الحق بالباطل عرف لغة وشرعا ، كما قال سبحانه وتعالى : { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل } . كما أن مقابلة الحق بالضلال عرف أيضا لغة وشرعا ، كما قال الله تعالى في هذه الآية : { فماذا بعد الحق إلا الضلال } ، وقد بين حقيقة الحق . فأما ، وهي : [ ص: 9 ] المسألة الثالثة : فهو الذهاب عن الحق ، أخذ من ضلال الطريق ، وهو العدول عن سمت القصد ، وخص في الشرع بالعبارة عن العدول عن السداد في الاعتقاد دون الأعمال . حقيقة الضلالومن غريب أمره أنه يعبر به عن عدم المعرفة بالحق إذا قابله غفلة ، ولم يقترن بعدمه جهل أو شك ، وعليه حمل العلماء قوله : { ووجدك ضالا فهدى } . الذي حققه قوله : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } .