الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : قوله : { والصالحين من عبادكم وإمائكم }

                                                                                                                                                                                                              وفيها قولان :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وأنكحوا إماءكم . وتقريرها : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم بعضهم ببعض .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : وهو الأظهر أنه أمر بإنكاح العبيد والإماء ، كما أمر بإنكاح الأيامى ، وذلك بيد السادة في العبيد والإماء ، كما هو في الأحرار بيد الأولياء ، إلا من ملك نفسه ، وائتمر أمره ، وأبصر رشده .

                                                                                                                                                                                                              أما أن أصحاب الشافعي تعلقوا بأن العبد مكلف فلم يجبر على النكاح ; لأن التكليف يدل على أن العبد كامل من جهة الآدمية ، وإنما يتعلق به المملوكية فيما كان حظا للسيد من ملك الرقبة والمنفعة ، فله حق المملوكية في بضع الأمة ليستوفيه ويملكه . فأما بضع العبد فلا حق له فيه ، ولأجل ذلك لا تباح السيدة لعبدها ; هذه عمدة أهل خراسان والعراق . ولعلمائنا النكتة العظمى في أن مالكية العبد استغرقتها مالكية السيد ; ولذلك لا يتزوج إلا بإذنه إجماعا . [ ص: 393 ] والنكاح وبابه إنما هو من المصالح ، ومصلحة العبد موكولة إلى السيد ، هو يراها ويقيمها للعبد ، ولذلك زوج الأمة بملكه لرقبتها ، لا باستيفائه لبضعها .

                                                                                                                                                                                                              والدليل على صحة ما نقوله من ذلك أنه لا يملك بضع امرأته وإن كان يملكها ، ويملك بضع أخته من الرضاع أمة ، وإن كان لا يستوفيه . والمالكية في رقبة العبد كالمالكية في رقبة الأمة .

                                                                                                                                                                                                              والمصلحة في كل واحد منهما بيد السيد استيفاؤها وإقامتها والنظر إليها ، ومنها ومن عدهم الطلاق فإنه يملكه العبد بملك عقده . وهذا لا يلزم ; لأن للسيد نظرا في المصلحة ، فإن أسقطها العبد فقد أسقط خالص حقه الذي له ، وقد نرى الثيب لا تملك الطلاق ، ولا يملك عليها النكاح ، ويملك النكاح على السفيه المولى عليه ، ولا يملك عليه الطلاق ، ويملك عليه البيع والشراء ، ولا يملك هو الإقالة ولا الفسخ ، ولا العتق ; فدل على أن مطلق كل واحد من العينين غير مطلع الآخر ، فافترقا .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : لو أراد المملوكين لقال من عبيدكم .

                                                                                                                                                                                                              قلنا عنه جوابان : أحدهما : أنه قال بعده : ( وإمائكم ) ، ولو أراد الناس لما جاء بالهمزة . كما تقدم ، ولذلك قرأها الحسن من عبيدكم ، وليبين الإشكال ويرفع اللبس .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن هذا اللفظ لو قدرناه كما زعموا لكان عاما ، وكنا نحكم بعمومه فيمن كان حرا أو عبدا ، كما حكمنا بعمومه فيمن كانت أمة لله أو لأحد من خلقه بتمليكه إياها له .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية