فيها ست مسائل :
المسألة الأولى : لما قال إخوة يوسف : { تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين } . قال أصحاب يوسف : { فما جزاؤه إن كنتم كاذبين } ؟ فقال إخوة يوسف : { جزاؤه من وجد في رحله } قال الطبري : المعنى جزاؤه من وجد في رحله ، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، التقدير جزاؤه استعباد من وجد في رحله ، أو أخذه واسترقاقه ، أو ما أشبه ذلك . وقال غيره : التقدير جزاء السارق من وجد في رحله فهو جزاؤه ، ويكون جزاؤه الأول الابتداء ، والجملة بعده الخبر ، المعنى من وجد في رحله فهو هو ، وكرره تأكيدا للبيان كما قال الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
[ ص: 68 ]المسألة الثانية : في تحقيق هذا الكلام بالتفسير : وذلك أن دين الملك كان أن يأخذ المجني عليه من السارق مثلي السرقة ، وكان دين يعقوب أن يسترق السارق ، فأخذ يوسف إخوته بما في دين يعقوب بإقرارهم بذلك وتسليمهم فيه . وقد روي عن أن مجاهد عمة يوسف بنت إسحاق ، وكانت أكبر من يعقوب ، صارت إليها منطقة إسحاق لسنها ; لأنهم كانوا يتوارثونها بالسن ، وكان من سرقها استملك ، وكانت عمة يوسف قد حضنته وأحبته حبا شديدا ، فلما ترعرع قال لها يعقوب : سلمي يوسف إلي ; فلست أقدر أن يغيب عن عيني ساعة . قالت له : دعه عندي أياما أنظر إليه فلعلي أتسلى عنه . فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ، ومن أصابها . فالتمست ، ثم قالت : اكشفوا أهل البيت ، فكشفوا فوجدت مع يوسف فقالت : والله إنه لي سلم أصنع فيه ما شئت . ثم أتاها يعقوب ، فأخبرته الخبر ، فقال لها : أنت وذاك ، إن كان فعل فهو سلم لك ، فأمسكته حتى ماتت ، فبذلك عيره إخوته في قولهم { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } معناه أن القرابة شجنة والصحابة شجنة . ومن هاهنا تعلم يوسف وضع السقاية في رحل أخيه كما عملت عمته به .
المسألة الثالثة : قوله تعالى : { كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } إذ كان لا يرى إلا أن يشاء الله ، فكيف التزام الإخوة لدين استرقاق السارق يعقوب بالاسترقاق ، فقضى عليهم به . والكيد والمكر هو الفعل الذي يخالف فيه الباطن الظاهر ، والقول الذي يحتمل معنيين ; فيتأوله أحد المتخاطبين على وجه والآخر على وجه آخر .