الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : في قوله تعالى { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } لا يجوز لأحد أن يتعلق به في طرح عياله وولده بأرض مضيعة اتكالا على العزيز الرحيم ، واقتداء بفعل إبراهيم ، كما تقول الغلاة من الصوفية في حقيقة التوكل ; فإن إبراهيم فعل ذلك بأمر الله ; لقولها له في هذا الحديث : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، ولما كان بأمر منه أراد تأسيس الحال وتمهيد المقام ، وخط الموضع للبيت المحرم والبلدة الحرام ، أرسل الملك فبحث بالماء ، وأقامه مقام الغذاء ، ولم يبق من تلك الحال إلا هذا المقدار ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ماء زمزم لما شرب له } . [ ص: 98 ]

                                                                                                                                                                                                              وقد اجتزأ به أبو ذر ليالي أقام بمكة ينتظر لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ليستمع منه قال : حتى سمنت وتكسرت عكن بطني ، وكان لا يجترئ على السؤال ولا يمكنه الظهور ولا التكشف ، فأغناه الله بماء زمزم عن الغذاء ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا موجود فيه إلى يومه ذلك ، وكذلك يكون إلى يوم القيامة لمن صحت نيته ، وسلمت طويته ، ولم يكن به مكذبا ولا شربه مجربا ; فإن الله مع المتوكلين ، وهو يفضح المجربين . ولقد كنت بمكة مقيما في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، وكنت أشرب ماء زمزم كثيرا ، وكلما شربته نويت به العلم والإيمان حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم ، ونسيت أن أشربه للعمل ; ويا ليتني شربته لهما ، حتى يفتح الله علي فيهما ، ولم يقدر ; فكان صغوي إلى العلم أكثر منه إلى العمل ، ونسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية