المسألة الخامسة : قوله : { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين } .
المعنى : قد أعطيناك الآخرة ، فلا تنظر إلى الدنيا ، وقد أعطيناك العلم فلا تتشاغل بالشهوات ، وقد منحناك لذة القلب فلا تنظر إلى لذة البدن ، وقد أعطيناك القرآن فتغن به ، فليس منا من لم يتغن بالقرآن أي ليس منا من رأى بما عنده من القرآن أنه ليس بغني حتى يطمح ببصره إلى زخارف الدنيا ، وعنده معارف المولى ، حيي بالباقي ، فغني عن الفاني .
[ ص: 114 ] وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } . فكان يتشاغل بالنساء جبلة الآدمية وتشوف الخلقة الإنسانية ، ويحافظ على الطيب منفعة خاصية وعامية ، ولا يقر له عين إلا في الصلاة لدى مناجاة المولى ، ويرى أن مناجاة المولى أجدر من ذلك وأولى . حبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة
وقد بينا تحقيق ذلك في شرح الحديث ، ولم يكن في دين محمد صلى الله عليه وسلم الرهبانية والإقبال على الأعمال الصالحة بالكلية كما كان في دين عيسى ; وإنما شرع الله له ولنا بحكمته حنيفية سمحة خالصة عن الحرج خفيفة عن الإصر ، نأخذ من الآدمية وشهواتها بحظ وافر ، ونرجع إلى الله بقلب سليم ، إن شغل بدنه باللذات عكف قلبه على المعارف ، ورأى اليوم علماء القراء والمخلصون من الفضلاء أن اليوم أولى ، لما غلب على الدنيا من الحرام ، واضطر إليه العبد في المعاش من مخالطة من لا تجوز مخالطته ، ومصانعة من تحرم مصانعته ، وحماية الدنيا بالدين ، وصيانة المال بتبدل الطاعة بدلا عنه ; فكانت العزلة أفضل ، والفرار عن الناس أصوب للعبد وأعدل ، حسبما تقدم به الوعد الذي لا خلف له من الصادق ; { الانكفاف عن اللذات ، والخلوص لرب السموات } . يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن
فإن قيل : ففي هذا الحديث الذي ذكرتم وهي :