الآية الأولى قوله تعالى : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } .
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى : قوله : " الأنعام " : وقد تقدم بيانه في سورة المائدة ، فأغنى عن إعادته .
المسألة الثانية : قوله : { لكم فيها دفء } : يعني من البرد بما فيها من الأصواف والأوبار والأشعار ، كما قال تعالى : { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } فامتن ههنا بالدفء ، وامتن هناك بالظل ، إن كان لاصقا بالبدن ثوبا أو كان منفصلا بناء .
وقد روي عن أنه قال : دفؤها نسلها ; فربك أعلم بها . ابن عباس
المسألة الثالثة : قوله : " منافع " : يعني ما وراء ذلك من الألبان خاصة ; لأنه قد ذكر بعد ذلك سواها من المنافع ، فقال : ومنها تأكلون .
وقد ذكر وجه اختصاصه باللبن ، ويأتي ذلك إن شاء الله .
المسألة الرابعة : في هذا دليل على لباس الصوف ، فهو أولى ذلك وأولاه ، فإنه شعار المتقين [ ص: 118 ] ولباس الصالحين ، وشارة الصحابة والتابعين ، واختيار الزهاد والعارفين ، وهو يلبس لينا وخشنا ، وجيدا ومقاربا ورديئا ، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفي ; لأنه لباسهم في الغالب ، فالياء للنسب والهاء للتأنيث ، وقد أنشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس :
تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقا من الصوف ولست أنحل هذا الاسم غير فتى
صافى فصوفي حتى سمي الصوفي
المسألة الخامسة : قوله : { ومنها تأكلون } : فأباح لنا أكلها كما تقدم بيانه بشروطه وأوصافه ، وكان وجه الامتنان بها أنسها ، كما امتن بالوحشية على وجه الاصطياد ، فالأول نعمة هنية ، والصيد متعة شهية ، ونصبة نصية ، وهو الأغلب فيها .