المسألة الثالثة :
قال : إنه كان يأمر المغيرة بن شعبة ، ويقول : سموهم واغسلوهم ، وكفنوهم وحنطوهم ، فإن الله أكرم بالإسلام صغيركم وكبيركم ، ويتلو هذه الآية : { بالصلاة على السقط إنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة } ، لم يستتم سائر خلقها ، فإن الله يبعثها يوم القيامة خلقا تاما .
المسألة الرابعة :
إذا رجعنا إلى أصل الاشتقاق فإن النطفة والعلقة والمضغة مخلقة ; لأن الكل خلق الله ، وإذا رجعنا إلىكما قال : ثم أنشأناه خلقا آخر فذلك ما قال التصوير الذي هو منتهى الخلقة ابن زيد : إنها التي صورت برأس ويدين ورجلين ، وبينها حالات .
فأما النطفة فليست بشيء يقينا ، وأما إن تلونت فقد تخلقت في رحم الأم بالتلوين ، وتخلقت بعد ذلك بالتخثير ; فإنه إنشاء بعد إنشاء .
ويزعم قوم أن مع التخثير يظهر التخطيط ومثال التصوير ، فلذلك شك فيه ، وقال : ومن رأيي من يعرف أنه سقط فهو الذي تكون به أم ولد . وقد استوفيناه في سورة الرعد ، وشرح الحديث في كتاب الحيض فلينظر هنالك . مالك
وعلى هذا يحمل ما جاء من الأخبار والآثار على المخلق وغير المخلق ، وعلى التام والناقص . ولعل أراد السقط ما تبين خلقه فهو الذي يسمى ، وما لم يتبين خلقه فلا وجود له ، والاسم فيه دون موجود يسمى وبماذا تكون الولد ، وقد بيناه هنالك كما أشرنا إليه ، والله ينفعنا بعزته . المغيرة بن شعبة
المسألة الخامسة :
إذا ثبت هذا فإن تنقضي بالسقط الموضوع ، ذكره عدة المرأة القاضي ، واحتج عليه بأنه حمل ، وقد قال الله : { إسماعيل وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن [ ص: 274 ] حملهن } ، وكذلك قال : لا تكون به أم ولد ، ولا يرتبط شيء من الأحكام به ، إلا أن يكون مخلقا لقوله تعالى : { فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة } ، فيطلق عليه أنه خلق ، كما أنه حمل .
واعترض عليه بعض الشافعية بأن الولد ليس بمضغة ، وإنما ذكره الله سبحانه وتعالى تنبيها على القدرة .
قلنا : فأين المقدور الذي تعلقت به القدرة ؟ هل هو تصريف الولد بين الأحوال ، ونقله من صفة إلى صفة ؟ فذكر أن أصله النطفة ، ثم تتداوله الصفات ، فيكون خلقا وحملا . قال المعترض : والمراد بقوله : { وأولات الأحمال أجلهن } ما يسمى ولدا .
قلنا : بل المراد به ما يسمى حملا وخلقا لشغل الرحم ; فإذا سقط برئت الرحم من شغلها .
قال القاضي : والدليل على صحة ذلك أنه يرث أباه ، فدل على وجوده خلقا ، وكونه ولدا وحملا . إسماعيل
قال المعترض : لا حجة في الميراث ; لأنه جاء مستندا إلى حال كونه نطفة .
قلنا لو لم يكن خلقا موجودا ، ولا ولدا محسوبا ما أسند ميراثه إلى حال ولا قضي له به .