الآية الثامنة عشرة قوله تعالى : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } . فيها ست عشرة مسألة :
المسألة الأولى : هذا خطاب لبعض من تناولته الآية الأولى ممن يملك أمر نفسه ، فيتعفف ، ويتوقف ، أو يقدم على النكاح ، ولا يتخلف . وأما من زمامه بيد سواه يقوده إلى ما يراه ، فليس له في هذه الآية مدخل كالمحجور قولا واحدا ، والأمة والعبد على أحد قولي العلماء .
المسألة الثانية : إن كان النكاح في الآية الأولى مختلفا فيه ما بين وجوب وندب وإباحة فالاستعفاف لا خلاف في وجوبه لأجل أنه إمساك عما حرم الله ; واجتناب المحارم واجب بغير خلاف .
[ ص: 396 ] المسألة الثالثة : لما لم يجعل الله بين العفة والنكاح درجة دل على أن ما عداهما محرم ، ولا يدخل فيه ملك اليمين ; لأنه بنص آخر مباح ، وهو قوله تعالى : { أو ما ملكت أيمانكم } ، فجاءت فيه زيادة هذه الإباحة بآية في آية ، ويبقى على التحريم الاستمناء ردا على ، كما تقدم بيانه ، وكذلك يخرج عنه نكاح المتعة لنسخه ، كما تقدم . المسألة الرابعة : قوله تعالى : { أحمد بن حنبل لا يجدون نكاحا }
يعني يقدرون ، وعبر عن القدرة بالوجود ، وعن عدمها بعدمه ، كما تقدم في قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء } حرفا بحرف فخذه منه . المسألة الخامسة : قوله تعالى : { حتى يغنيهم الله من فضله }
فيها قولان : أحدهما : بالقدرة على النكاح .
الثاني : بالرغبة عنه .
وقال بعض علمائنا : إنه يستعف بالصوم ، لحديث قال : { عبد الله بن مسعود } . وهو أصح الأقوال لانتظام القرآن فيه والحديث ، واللفظ والمعنى ، والله أعلم . كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد شيئا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الشباب ; من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء