قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب يعني علماء اليهود ، كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة
محمد صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته ، ومعنى أنزل : أظهر ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله أي سأظهر ، وقيل : هو على بابه من النزول ، أي ما أنزل به ملائكته على رسله .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174ويشترون به أي بالمكتوم ثمنا قليلا يعني أخذ الرشاء ، وسماه قليلا لانقطاع مدته وسوء عاقبته ، وقيل : لأن ما كانوا يأخذونه من الرشاء كان قليلا .
قلت : وهذه الآية وإن كانت في الأخبار فإنها تتناول من المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك بسبب دنيا يصيبها ، وقد تقدم هذا المعنى .
قوله تعالى : في بطونهم ذكر البطون دلالة وتأكيدا على حقيقة الأكل ، إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضي ونحوه ، وفي ذكر البطون أيضا تنبيه على جشعهم وأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له .
ومعنى إلا النار
أي إنه حرام يعذبهم الله عليه بالنار ، فسمي ما أكلوه من الرشاء نارا لأنه يؤديهم إلى النار ، هكذا قال أكثر المفسرين . وقيل : أي إنه يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة ، فأخبر عن المآل بالحال ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا أي أن عاقبته تئول إلى ذلك ، ومنه قولهم :
لدوا للموت وابنوا للخراب
قال : فللموت ما تلد الوالدة
[ ص: 221 ] آخر :
ودورنا لخراب الدهر نبنيها
وهو في القرآن والشعر كثير .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174ولا يكلمهم الله يوم القيامة عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم ، يقال : فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه ، وقال
الطبري : المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه ، وفي التنزيل
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=108اخسئوا فيها ولا تكلمون ، وقيل : المعنى ولا يرسل إليهم الملائكة بالتحية . ولا يزكيهم أي لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم ، وقال
الزجاج : لا يثني عليهم خيرا ولا يسميهم أزكياء . أليم بمعنى مؤلم ، وقد تقدم ، وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=860752ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر . وإنما خص هؤلاء بأليم العذاب وشدة العقوبة لمحض المعاندة والاستخفاف الحامل لهم على تلك المعاصي ، إذ لم يحملهم على ذلك حاجة ، ولا دعتهم إليه ضرورة كما تدعو من لم يكن مثلهم ، ومعنى لا ينظر إليهم لا يرحمهم ولا يعطف عليهم ، وسيأتي في " آل عمران " إن شاء الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=treesubj&link=28973قَوْلُهُ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ يَعْنِي عُلَمَاءَ الْيَهُودِ ، كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ صِفَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِحَّةِ رِسَالَتِهِ ، وَمَعْنَى أَنْزَلَ : أَظْهَرَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَيْ سَأُظْهِرُ ، وَقِيلَ : هُوَ عَلَى بَابِهِ مِنَ النُّزُولِ ، أَيْ مَا أَنْزَلَ بِهِ مَلَائِكَتَهُ عَلَى رُسُلِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174وَيَشْتَرُونَ بِهِ أَيْ بِالْمَكْتُومِ ثَمَنًا قَلِيلًا يَعْنِي أَخْذَ الرِّشَاءِ ، وَسَمَّاهُ قَلِيلًا لِانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الرِّشَاءِ كَانَ قَلِيلًا .
قُلْتُ : وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَخْبَارِ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ كَتَمَ الْحَقَّ مُخْتَارًا لِذَلِكَ بِسَبَبِ دُنْيَا يُصِيبُهَا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى : فِي بُطُونِهِمْ ذَكَرَ الْبُطُونَ دَلَالَةً وَتَأْكِيدًا عَلَى حَقِيقَةِ الْأَكْلِ ، إِذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي مِثْلِ أَكَلَ فُلَانٌ أَرْضِي وَنَحْوِهِ ، وَفِي ذِكْرِ الْبُطُونِ أَيْضًا تَنْبِيهٌ عَلَى جَشَعِهِمْ وَأَنَّهُمْ بَاعُوا آخِرَتَهُمْ بِحَظِّهِمْ مِنَ الْمَطْعَمِ الَّذِي لَا خَطَرَ لَهُ .
وَمَعْنَى إِلَّا النَّارَ
أَيْ إِنَّهُ حَرَامٌ يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ ، فَسُمِّيَ مَا أَكَلُوهُ مِنَ الرِّشَاءِ نَارًا لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِمْ إِلَى النَّارِ ، هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ . وَقِيلَ : أَيْ إِنَّهُ يُعَاقِبُهُمْ عَلَى كِتْمَانِهِمْ بِأَكْلِ النَّارِ فِي جَهَنَّمَ حَقِيقَةً ، فَأَخْبَرَ عَنِ الْمَآلِ بِالْحَالِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا أَيْ أَنَّ عَاقِبَتَهُ تَئُولُ إِلَى ذَلِكَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ :
لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ
قَالَ : فَلِلْمَوْتِ مَا تَلِدُ الْوَالِدَةُ
[ ص: 221 ] آخَرُ :
وَدُورنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيهَا
وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ كَثِيرٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْغَضَبِ عَلَيْهِمْ وَإِزَالَةُ الرِّضَا عَنْهُمْ ، يُقَالُ : فُلَانٌ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ
الطَّبَرِيُّ : الْمَعْنَى وَلَا يُكَلِّمُهُمْ بِمَا يُحِبُّونَهُ ، وَفِي التَّنْزِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=108اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَا يُرْسِلُ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ بِالتَّحِيَّةِ . وَلَا يُزَكِّيهِمْ أَيْ لَا يُصْلِحُ أَعْمَالَهُمُ الْخَبِيثَةَ فَيُطَهِّرُهُمْ ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ خَيْرًا وَلَا يُسَمِّيهِمْ أَزْكِيَاءَ . أَلِيمٌ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=860752ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ . وَإِنَّمَا خَصَّ هَؤُلَاءِ بِأَلِيمِ الْعَذَابِ وَشِدَّةِ الْعُقُوبَةِ لِمَحْضِ الْمُعَانَدَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ الْحَامِلِ لَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَعَاصِي ، إِذْ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ ، وَلَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَمَا تَدْعُو مَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمْ ، وَمَعْنَى لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ لَا يَرْحَمُهُمْ وَلَا يَعْطِفُ عَلَيْهِمْ ، وَسَيَأْتِي فِي " آلِ عِمْرَانَ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .