القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=treesubj&link=28975_31982nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه )
قال
أبو جعفر : يعني ثناؤه بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810401إنما المسيح عيسى ابن مريم " ، ما
المسيح ، - أيها الغالون في دينهم من أهل الكتاب - بابن الله ، كما تزعمون ، ولكنه
عيسى ابن مريم ، دون غيرها من الخلق ، لا نسب له غير ذلك . ثم نعته الله جل ثناؤه بنعته ووصفه بصفته فقال : هو رسول الله أرسله الله بالحق إلى من أرسله إليه من خلقه .
وأصل "المسيح " ، "الممسوح" ، صرف من"مفعول" إلى"فعيل" . وسماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب . وقيل : مسح من الذنوب والأدناس التي تكون في الآدميين ، كما يمسح الشيء من الأذى الذي يكون فيه ، فيطهر منه . ولذلك قال
مجاهد ومن قال مثل قوله : "المسيح" ، الصديق .
وقد زعم بعض الناس أن أصل هذه الكلمة عبرانية أو سريانية "مشيحا" ، فعربت فقيل : "المسيح" ، كما عرب سائر أسماء الأنبياء التي في القرآن مثل :
[ ص: 418 ] "إسماعيل" و"إسحاق" و"موسى" و"عيسى" .
قال
أبو جعفر : وليس ما مثل به من ذلك ل"المسيح" بنظير . وذلك أن"إسماعيل" و"إسحاق" وما أشبه ذلك ، أسماء لا صفات ، و"المسيح" صفة . وغير جائز أن تخاطب العرب ، وغيرها من أجناس الخلق ، في صفة شيء إلا بمثل ما تفهم عمن خاطبها . ولو كان"المسيح" من غير كلام العرب ، ولم تكن العرب تعقل معناه ، ما خوطبت به . وقد أتينا من البيان عن نظائر ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية عن إعادته .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30272 "المسيح الدجال" ، فإنه أيضا بمعنى : الممسوح العين ، صرف من"مفعول" إلى"فعيل" . فمعنى : "المسيح" في
عيسى صلى الله عليه وسلم : الممسوح البدن من الأدناس والآثام ومعنى : "المسيح" في الدجال : الممسوح العين اليمنى أو اليسرى ، كالذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
وأما قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وكلمته ألقاها إلى مريم " ، فإنه يعني : ب "الكلمة" ، الرسالة التي
[ ص: 419 ] أمر الله ملائكته أن تأتي
مريم بها ، بشارة من الله لها ، التي ذكر الله جل ثناؤه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ) [ سورة آل عمران : 45 ] ، يعني : برسالة منه ، وبشارة من عنده .
وقد قال
قتادة في ذلك ما : -
10854 - حدثنا به
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وكلمته ألقاها إلى مريم " ، قال : هو قوله : "كن" ، فكان .
وقد بينا اختلاف المختلفين من أهل الإسلام في ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171ألقاها إلى مريم " ، يعني : أعلمها بها وأخبرها ، كما يقال : "ألقيت إليك كلمة حسنة" ، بمعنى : أخبرتك بها وكلمتك بها .
وأما قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وروح منه " ، فإن أهل العلم اختلفوا في تأويله .
فقال بعضهم : معنى قوله : "وروح منه" ، ونفخة منه ، لأنه حدث عن نفخة
جبريل عليه السلام في درع مريم بأمر الله إياه بذلك ، فنسب إلى أنه"روح من الله" ، لأنه بأمره كان . قال : وإنما سمي النفخ"روحا" ، لأنها ريح تخرج من الروح ، واستشهدوا على ذلك من قولهم بقول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة في صفة نار نعتها :
[ ص: 420 ] فلما بدت كفنتها ، وهي طفلة بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا [ ص: 421 ] وقلت له ارفعها إليك ، وأحيها
بروحك ، واقتته لها قيتة قدرا وظاهر لها من يابس الشخت ، واستعن
عليها الصبا ، واجعل يديك لها سترا [ ولما تنمت تأكل الرم لم تدع
ذوابل مما يجمعون ولا خضرا ] فلما جرت في الجزل جريا كأنه
سنا البرق ، أحدثنا لخالقها شكرا
وقالوا : يعني بقوله : "أحيها بروحك" ، أي : أحيها بنفخك .
وقال بعضهم يعني بقوله : "وروح منه" إنه كان إنسانا بإحياء الله له بقوله : "كن" . قالوا : وإنما معنى قوله : "وروح منه" ، وحياة منه ، بمعنى إحياء الله إياه بتكوينه .
وقال آخرون : معنى قوله : "وروح منه" ، ورحمة منه ، كما قال جل ثناؤه في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22وأيدهم بروح منه ) [ سورة المجادلة : 22 ] . قالوا : ومعناه في هذا الموضع : ورحمة منه . قالوا : فجعل الله
عيسى رحمة منه على من اتبعه وآمن به وصدقه ، لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد .
وقال آخرون : معنى ذلك : وروح من الله خلقها فصورها ، ثم أرسلها إلى
مريم فدخلت في فيها ، فصيرها الله تعالى روح
عيسى عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
10855 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد قال : أخبرني
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية ، عن
أبي بن كعب في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) ، [ سورة الأعراف : 172 ] ، قال : أخذهم فجعلهم أرواحا ، ثم صورهم ، ثم
[ ص: 422 ] استنطقهم ، فكان روح
عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق ، فأرسل ذلك الروح إلى
مريم ، فدخل في فيها ، فحملت الذي خاطبها ، وهو روح
عيسى عليه السلام .
وقال آخرون : معنى"الروح" هاهنا ،
جبريل عليه السلام . قالوا : ومعنى الكلام : وكلمته ألقاها إلى
مريم ، وألقاها أيضا إليها روح من الله . قالوا : ف"الروح" معطوف به على ما في قوله : "ألقاها" من ذكر الله ، بمعنى : أن إلقاء الكلمة إلى
مريم كان من الله ، ثم من
جبريل عليه السلام .
قال
أبو جعفر : ولكل هذه الأقوال وجه ومذهب غير بعيد من الصواب .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=treesubj&link=28975_31982nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810401إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ " ، مَا
الْمَسِيحُ ، - أَيُّهَا الْغَالُونَ فِي دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - بِابْنِ اللَّهِ ، كَمَا تَزْعُمُونَ ، وَلَكِنَّهُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْخَلْقِ ، لَا نَسَبَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ . ثُمَّ نَعَتَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِنَعْتِهِ وَوَصْفَهُ بِصِفَتِهِ فَقَالَ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِالْحَقِّ إِلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مَنْ خَلْقِهِ .
وَأَصْلُ "الْمَسِيحِ " ، "الْمَمْسُوحُ" ، صُرِّفَ مِنْ"مَفْعُولٍ" إِلَى"فَعِيلٍ" . وَسَمَّاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِتَطْهِيرِهِ إِيَّاهُ مِنَ الذُّنُوبِ . وَقِيلَ : مُسِحَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْأَدْنَاسِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْآدَمِيِّينَ ، كَمَا يُمْسَحُ الشَّيْءُ مِنَ الْأَذَى الَّذِي يَكُونُ فِيهِ ، فَيَطْهْرُ مِنْهُ . وَلِذَلِكَ قَالَ
مُجَاهِدٌ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ : "الْمَسِيحُ" ، الصِّدِّيقُ .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عِبْرَانِيَّةٌ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ "مشيحا" ، فَعُرِّبَتْ فَقِيلَ : "الْمَسِيحُ" ، كَمَا عُرِّبَ سَائِرُ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ مِثْلَ :
[ ص: 418 ] "إِسْمَاعِيلَ" وَ"إِسْحَاقَ" وَ"مُوسَى" وَ"عِيسَى" .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَيْسَ مَا مُثِّلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لِ"الْمَسِيحِ" بِنَظِيرٍ . وَذَلِكَ أَنْ"إِسْمَاعِيلَ" وَ"إِسْحَاقَ" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، أَسْمَاءٌ لَا صِفَاتٌ ، وَ"الْمَسِيحُ" صِفَةٌ . وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تُخَاطِبَ الْعَرَبُ ، وَغَيْرُهَا مِنْ أَجْنَاسِ الْخَلْقِ ، فِي صِفَةِ شَيْءٍ إِلَّا بِمِثْلِ مَا تَفْهَمُ عَمَّنْ خَاطَبَهَا . وَلَوْ كَانَ"الْمَسِيحُ" مِنْ غَيْرِ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْقِلُ مَعْنَاهُ ، مَا خُوطِبَتْ بِهِ . وَقَدْ أَتَيْنَا مِنَ الْبَيَانِ عَنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30272 "الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ" ، فَإِنَّهُ أَيْضًا بِمَعْنَى : الْمَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، صُرِّفَ مِنْ"مَفْعُولٍ" إِلَى"فَعِيلٍ" . فَمَعْنَى : "الْمَسِيحِ" فِي
عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَمْسُوحُ الْبَدَنِ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَالْآثَامِ وَمَعْنَى : "الْمَسِيحِ" فِي الدَّجَّالِ : الْمَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى ، كَالذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " ، فَإِنَّهُ يَعْنِي : بِ "الْكَلِمَةِ" ، الرِّسَالَةَ الَّتِي
[ ص: 419 ] أَمَرَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ أَنْ تَأْتِيَ
مَرْيَمَ بِهَا ، بِشَارَةً مِنَ اللَّهِ لَهَا ، الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ) [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 45 ] ، يَعْنِي : بِرِسَالَةٍ مِنْهُ ، وَبِشَارَةٍ مِنْ عِنْدِهِ .
وَقَدْ قَالَ
قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ مَا : -
10854 - حَدَّثَنَا بِهِ
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " ، قَالَ : هُوَ قَوْلُهُ : "كُنْ" ، فَكَانَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " ، يَعْنِي : أَعْلَمَهَا بِهَا وَأَخْبَرَهَا ، كَمَا يُقَالَ : "أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ كَلِمَةً حَسَنَةً" ، بِمَعْنَى : أَخْبَرْتُكَ بِهَا وَكَلَّمْتُكَ بِهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَرُوحٌ مِنْهُ " ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى قَوْلِهِ : "وَرُوحٌ مِنْهُ" ، وَنَفْخَةٌ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ حَدَثَ عَنْ نَفْخَةِ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دِرْعِ مَرْيَمَ بِأَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ ، فَنُسِبَ إِلَى أَنَّهُ"رُوحٌ مِنَ اللَّهِ" ، لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ كَانَ . قَالَ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّفْخُ"رُوحًا" ، لِأَنَّهَا رِيحٌ تَخْرُجُ مِنَ الرُّوحِ ، وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذِي الرُّمَّةِ فِي صِفَةِ نَارٍ نَعَتَهَا :
[ ص: 420 ] فَلَمَّا بَدَتْ كَفَّنْتُهَا ، وَهْيَ طِفْلَةٌ بِطَلْسَاءَ لَمْ تَكْمُلْ ذِرَاعًا وَلَا شِبْرَا [ ص: 421 ] وَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إِلَيْكَ ، وَأَحْيِهَا
بِرُوحِكَ ، وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرَا وَظَاهِرْ لَهَا مِنْ يَابِسِ الشَّخْتِ ، وَاسْتَعِنْ
عَلَيْهَا الصَّبَا ، وَاجْعَلْ يَدَيْكَ لَهَا سِتْرَا [ وَلَمَّا تَنَمَّتْ تَأْكُلُ الرِّمَّ لَمْ تَدَعْ
ذَوَابِلَ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَا خُضْرَا ] فَلَمَّا جَرَتْ فِي الْجَزْلِ جَرْيًا كَأَنَّهُ
سَنَا الْبَرْقِ ، أَحْدَثْنَا لِخَالِقِهَا شُكْرَا
وَقَالُوا : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : "أَحْيِهَا بِرُوحِكَ" ، أَيْ : أَحْيِهَا بِنَفْخِكَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : "وَرُوحٌ مِنْهُ" إِنَّهُ كَانَ إِنْسَانًا بِإِحْيَاءِ اللَّهِ لَهُ بِقَوْلِهِ : "كُنْ" . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ : "وَرُوحٌ مِنْهُ" ، وَحَيَاةٌ مِنْهُ ، بِمَعْنَى إِحْيَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِتَكْوِينِهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : "وَرُوحٌ مِنْهُ" ، وَرَحْمَةٌ مِنْهُ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) [ سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ : 22 ] . قَالُوا : وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : وَرَحْمَةُ مِنْهُ . قَالُوا : فَجَعَلَ اللَّهُ
عِيسَى رَحْمَةً مِنْهُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ ، لِأَنَّهُ هَدَاهُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَرُوحٌ مِنَ اللَّهِ خَلَقَهَا فَصَوَّرَهَا ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا إِلَى
مَرْيَمَ فَدَخَلَتْ فِي فِيهَا ، فَصَيَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى رُوحَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
10855 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي
أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ
الرَّبِيعِ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنْ
أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=172وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 172 ] ، قَالَ : أَخَذَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا ، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ ، ثُمَّ
[ ص: 422 ] اسْتَنْطَقَهُمْ ، فَكَانَ رُوحُ
عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ ، فَأَرْسَلَ ذَلِكَ الرُّوحَ إِلَى
مَرْيَمَ ، فَدَخْلَ فِي فِيهَا ، فَحَمَلَتِ الَّذِي خَاطَبَهَا ، وَهُوَ رُوحُ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى"الرُّوحِ" هَاهُنَا ،
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ . قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَامِ : وَكَلَّمَتْهُ أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ ، وَأَلْقَاهَا أَيْضًا إِلَيْهَا رُوحٌ مِنَ اللَّهِ . قَالُوا : فَ"الرُّوحُ" مَعْطُوفٌ بِهِ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ : "أَلْقَاهَا" مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، بِمَعْنَى : أَنَّ إِلْقَاءَ الْكَلِمَةِ إِلَى
مَرْيَمَ كَانَ مِنَ اللَّهِ ، ثُمَّ مِنْ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ .