القول في تأويل قوله ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ( 35 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : إن الذين يكذبونك من هؤلاء الكفار يا محمد - فيحزنك تكذيبهم إياك - لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدين ، وصواب من محجة الإسلام - حتى تكون كلمة جميعكم واحدة ، وملتكم وملتهم واحدة - لجمعتهم على ذلك ، ولم يكن بعيدا علي ؛ لأني القادر على ذلك بلطفي ، ولكني لم أفعل ذلك لسابق علمي في خلقي ، ونافذ قضائي فيهم من قبل أن أخلقهم وأصور أجسامهم " فلا تكونن " يا محمد " من الجاهلين " يقول : [ ص: 340 ] فلا تكونن ممن لا يعلم أن الله لو شاء لجمع على الهدى جميع خلقه بلطفه ، وأن من يكفر به من خلقه إنما يكفر به لسابق علم الله فيه ، ونافذ قضائه بأنه كائن من الكافرين به اختيارا لا اضطرارا ، فإنك إذا علمت صحة ذلك لم يكبر عليك إعراض من أعرض من المشركين عما تدعوه إليه من الحق ، وتكذيب من كذبك منهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
13205 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يقول الله سبحانه : لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين .
قال أبو جعفر : وفي هذا الخبر من الله - تعالى ذكره - الدلالة الواضحة على خطأ ما قال أهل التفويض من القدرية المنكرون أن يكون عند الله لطائف لمن شاء توفيقه من خلقه ، يلطف بها له حتى يهتدي للحق ، فينقاد له ، وينيب إلى الرشاد فيذعن به ويؤثره على الضلال والكفر بالله . وذلك أنه - تعالى ذكره - أخبر أنه لو شاء الهداية لجميع من كفر به حتى يجتمعوا على الهدى فعل . ولا شك أنه لو فعل ذلك بهم كانوا مهتدين لا ضلالا . وهم لو كانوا مهتدين كان - لا شك أن كونهم مهتدين كان - خيرا لهم . وفي تركه - تعالى ذكره - أن يجمعهم على الهدى ترك منه أن يفعل بهم في دينهم بعض ما هو خير لهم فيه ، مما هو قادر على فعله بهم ، وقد [ ص: 341 ] ترك فعله بهم . وفي تركه فعل ذلك بهم أوضح الدليل أنه لم يعطهم كل الأسباب التي بها يصلون إلى الهداية ، ويتسببون بها إلى الإيمان .