القول في تأويل قوله ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : وهذا القرآن ، يا محمد " كتاب " .
وهو اسم من أسماء القرآن ، قد بينته وبينت معناه فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته ، ومعناه مكتوب ، فوضع " الكتاب " مكان " المكتوب " .
" أنزلناه " يقول : أوحيناه إليك " مبارك " وهو " مفاعل " من " البركة " " مصدق الذي بين يديه " يقول : صدق هذا الكتاب ما قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه قبلك ، لم يخالفها [ دلالة ومعنى ] " نورا وهدى للناس " يقول : هو الذي أنزل إليك ، يا محمد ، هذا الكتاب مباركا ، مصدقا كتاب موسى وعيسى وغير ذلك من كتب الله . ولكنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عنه ، إذ كان قد تقدم [ من ] الخبر عن ذلك ما يدل على أنه [ له ] مواصل ، فقال : " وهذا كتاب أنزلناه إليك مبارك " ومعناه : وكذلك أنزلت إليك كتابي هذا مباركا ، كالذي أنزلت من التوراة إلى موسى هدى ونورا .
وأما قوله : " ولتنذر أم القرى ومن حولها " فإنه يقول : أنزلنا إليك ، يا محمد ، [ ص: 531 ] هذا الكتاب مصدقا ما قبله من الكتب ، ولتنذر به عذاب الله وبأسه من في أم القرى ، وهي مكة " ومن حولها " شرقا وغربا ، من العادلين بربهم غيره من الآلهة والأنداد ، والجاحدين برسله ، وغيرهم من أصناف الكفار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
13550 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ولتنذر أم القرى ومن حولها " يعني ب " أم القرى " مكة " ومن حولها " من القرى إلى المشرق والمغرب .
13551 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولتنذر أم القرى ومن حولها " و " أم القرى " مكة " ومن حولها " الأرض كلها .
13552 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : " ولتنذر أم القرى " قال : هي مكة وبه عن معمر ، عن قتادة قال : بلغني أن الأرض دحيت من مكة .
13553 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولتنذر أم القرى ومن حولها " كنا نحدث أن أم القرى مكة ، وكنا نحدث أن منها دحيت الأرض .
13554 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط عن : " ولتنذر السدي أم القرى ومن حولها " أما " أم القرى " فهي مكة ، وإنما سميت " أم القرى " لأنها أول بيت وضع بها . [ ص: 532 ]
وقد بينا فيما مضى العلة التي من أجلها سميت مكة " أم القرى " بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .