قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : تأويل ذلك : ( ولقد خلقناكم ) ، في ظهر آدم ، أيها الناس ( ثم صورناكم ) ، في أرحام النساء . خلقا مخلوقا ومثالا ممثلا في صورة آدم .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 318 ]
14338 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قوله : ( خلقناكم ) ، يعني آدم وأما " صورناكم " ، فذريته .
14339 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) الآية ، قال : أما " خلقناكم " ، فآدم . وأما " صورناكم " ، فذرية آدم من بعده .
14340 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع : ( ولقد خلقناكم ) ، يعني : آدم ( ثم صورناكم ) ، يعني : في الأرحام .
14341 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس في قوله : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، يقول : خلقناكم خلق آدم ، ثم صورناكم في بطون أمهاتكم .
14342 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : ( السدي ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، يقول : خلقنا آدم ، ثم صورنا الذرية في الأرحام .
14343 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا قال ، حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : آدم من طين " ثم صورناكم " ، في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق : علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم كسا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر . خلق الله
14344 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن [ ص: 319 ] معمر ، عن قتادة قال : خلق الله آدم ، ثم صور ذريته من بعده .
14345 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمر بن هارون ، عن نصر بن مشارس ، عن الضحاك : ( خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : ذريته .
14346 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : ( ولقد خلقناكم ) ، يعني آدم ( ثم صورناكم ) ، يعني : ذريته .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " ولقد خلقناكم " ، في أصلاب آبائكم " ثم صورناكم " ، في بطون أمهاتكم .
ذكر من قال ذلك :
14347 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : خلقناكم في أصلاب الرجال ، وصورناكم في أرحام النساء .
14348 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، مثله .
14349 - حدثنا قال ، حدثنا محمد بن بشار مؤمل قال ، حدثنا سفيان قال ، سمعت الأعمش يقرأ : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : خلقناكم في أصلاب الرجال ، ثم صورناكم في أرحام النساء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ( خلقناكم ) ، يعني آدم ( ثم صورناكم ) ، يعني في ظهره . [ ص: 320 ]
ذكر من قال ذلك :
14350 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( ولقد خلقناكم ) ، قال : آدم ( ثم صورناكم ) ، قال : في ظهر آدم .
14351 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، في ظهر آدم .
14352 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد قوله : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : صورناكم في ظهر آدم .
14353 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد المدني قال ، سمعت في قوله : ( مجاهدا ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : في ظهر آدم ، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة .
وقال آخرون : معنى ذلك : " ولقد خلقناكم " ، في بطون أمهاتكم " ثم صورناكم " ، فيها .
ذكر من قال ذلك :
14354 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عمن ذكره قال : ( خلقناكم ثم صورناكم ) ، قال : خلق الله الإنسان في الرحم ، ثم صوره ، فشق سمعه وبصره وأصابعه .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : تأويله : ( ولقد خلقناكم ) ، ولقد خلقنا آدم ( ثم صورناكم ) ، بتصويرنا آدم ، كما قد بينا [ ص: 321 ] فيما مضى من خطاب العرب الرجل بالأفعال تضيفها إليه ، والمعني في ذلك سلفه ، وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ) ، [ سورة البقرة : 63 ] . وما أشبه ذلك من الخطاب الموجه إلى الحي الموجود ، والمراد به السلف المعدوم ، فكذلك ذلك في قوله : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، معناه : ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صورناه .
وإنما قلنا : هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن الذي يتلو ذلك قوله : ( ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) ، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم ، قبل أن يصور ذريته في بطون أمهاتهم ، بل قبل أن يخلق أمهاتهم .
و " ثم " في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها ، وذلك كقول القائل : " قمت ثم قعدت " ، لا يكون " القعود " إذ عطف به ب " ثم " على قوله : " قمت " إلا بعد القيام ، وكذلك ذلك في جميع الكلام . ولو كان العطف في ذلك بالواو ، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها ، وذلك كقول القائل : " قمت وقعدت " ، فجائز أن يكون " القعود " في هذا الكلام قد كان قبل " القيام " ، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفا ، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها ، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين ، أو إن كانا في وقتين ، أيهما [ ص: 322 ] المتقدم وأيهما المتأخر . فلما وصفنا قلنا إن قوله : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) ، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا .
فإن ظن ظان أن العرب ، إذ كانت ربما نطقت ب " ثم " في موضع " الواو " في ضرورة شعره ، كما قال بعضهم :
سألت ربيعة : من خيرها أبا ثم أما؟ فقالت : لمه؟
بمعنى : أبا وأما ، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره فإن ذلك بخلاف ما ظن . وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب ، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذ من لغاتها ، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهوم ووجه معروف .
وقد وجه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم ، وزعم أن معنى ذلك : ولقد خلقناكم ، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، ثم صورناكم . وذلك غير جائز في كلام العرب ، لأنها لا تدخل " ثم " في الكلام وهي مراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر ، وإن كانوا قد يقدمونها في الكلام ، إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير ، وذلك كقولهم : " قام ثم عبد الله عمرو " ، فأما إذا قيل : " قام عبد الله ثم قعد عمرو " ، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله ، إذا كان الخبر صدقا ، فقول الله تبارك وتعالى : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ) ، نظير قول القائل : " قام عبد الله ثم قعد عمرو " ، في أنه غير جائز أن يكون أمر الله الملائكة بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير ، لما وصفنا قبل .
وأما قوله للملائكة : ( اسجدوا لآدم ) ، فإنه يقول جل ثناؤه : فلما صورنا [ ص: 323 ] آدم وجعلناه خلقا سويا ، ونفخنا فيه من روحنا ، قلنا للملائكة : " اسجدوا لآدم " ، ابتلاء منا واختبارا لهم بالأمر ، ليعلم الطائع منهم من العاصي ، ( فسجدوا ) ، يقول : فسجد الملائكة إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين لآدم حين أمره الله مع من أمر من سائر الملائكة غيره بالسجود .
وقد بينا فيما مضى ، المعنى الذي من أجله امتحن جل جلاله ملائكته بالسجود لآدم ، وأمر إبليس وقصصه ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .