قال أبو جعفر : أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن "الصراط المستقيم " ، هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه . وكذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول : جرير بن عطية الخطفي
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
يريد على طريق الحق . ومنه قول الهذلي أبي ذؤيب :
صبحنا أرضهم بالخيل حتى تركناها أدق من الصراط
ومنه قول الراجز :
فصد عن نهج الصراط القاصد
والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا غنى عما تركنا .
ثم تستعير العرب "الصراط " فتستعمله في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، والمعوج باعوجاجه .
والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي ، أعني : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، أن يكون معنيا به : وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم . لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء ، فقد وفق للإسلام ، وتصديق الرسل ، والتمسك بالكتاب ، والعمل بما أمر الله به ، والانزجار عما زجره عنه ، واتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . وكل عبد لله صالح ، وكل ذلك من الصراط المستقيم .
وقد اختلفت تراجمة القرآن في المعني بالصراط المستقيم . يشمل معاني جميعهم في ذلك ، ما اخترنا من التأويل فيه .
ومما قالته في ذلك ، ما روي عن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ، وذكر القرآن ، فقال : علي بن أبي طالب ، . هو الصراط المستقيم
174 - حدثنا بذلك موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا عن حسين الجعفي ، حمزة الزيات ، عن أبي المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث ، عن الحارث ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 172 ]
175 - وحدثت عن إسماعيل بن أبي كريمة ، قال : حدثنا عن محمد بن سلمة ، أبي سنان ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن الحارث ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . [ ص: 173 ]
176 - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا حمزة الزيات ، عن أبي المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث ، عن علي ، قال : " الصراط المستقيم : كتاب الله تعالى ذكره " .
177 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان - ح - وحدثنا قال . حدثنا محمد بن حميد الرازي ، مهران ، عن سفيان ، عن منصور عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : " الصراط المستقيم " كتاب الله " .
178 - حدثني قال : حدثنا محمود بن خداش الطالقاني ، حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، قال : حدثنا علي جميعا ، عن والحسن ابنا صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، : ( جابر بن عبد الله اهدنا الصراط المستقيم ) قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء والأرض . [ ص: 174 ]
179 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن قال : قال عبد الله بن عباس ، جبريل لمحمد : قل يا محمد : [ ص: 175 ] ( اهدنا الصراط المستقيم ) يقول : ألهمنا الطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج له .
180 - حدثنا موسى بن سهل الرازي ، قال : حدثنا يحيى بن عوف ، عن الفرات بن السائب ، عن عن ميمون بن مهران ، ابن عباس ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : ذلك الإسلام .
181 - حدثني محمود بن خداش ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي ، عن إسماعيل الأزرق ، عن أبي عمر البزار ، عن في قوله : ( ابن الحنفية ، اهدنا الصراط المستقيم ) قال : هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره .
182 - حدثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا عمرو بن طلحة القناد ، قال : حدثنا أسباط ، عن - في خبر ذكره - عن السدي أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن عن مرة الهمداني ، ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : هو الإسلام
183 - حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : الطريق .
184 - حدثنا عبد الله بن كثير أبو صديف الآملي ، قال : حدثنا قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، حمزة بن المغيرة ، عن عاصم ، عن أبي العالية ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، قال : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر . قال : فذكرت ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية ونصح [ ص: 176 ]
185 - حدثني قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : " اهدنا الصراط المستقيم " ، قال : الإسلام .
186 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، أن عبد الرحمن بن جبير ، حدثه عن أبيه ، عن نواس بن سمعان الأنصاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " . والصراط : الإسلام . ضرب الله مثلا صراطا مستقيما
187 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا الليث ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن نواس بن سمعان الأنصاري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله . [ ص: 177 ]
قال أبو جعفر : وإنما وصفه الله بالاستقامة ، لأنه صواب لا خطأ فيه . وقد زعم بعض أهل الغباء ، أنه سماه مستقيما ، لاستقامته بأهله إلى الجنة . وذلك تأويل لتأويل جميع أهل التفسير خلاف ، وكفى بإجماع جميعهم على خلافه دليلا على خطئه .