يقول تعالى ذكره : يحذر أيضا محمد القوم ( الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) من مشركي قومه وغيرهم ، بأس الله وعاجل نقمته ، وآجل عذابه ، على قيلهم ذلك .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) يعني قريشا في قولهم : إنما نعبد الملائكة ، وهن بنات الله ، وقوله : ( ما لهم به من علم ) يقول : ما لقائلي هذا القول ، يعني قولهم ( اتخذ الله ولدا ) ( به ) : يعني بالله من علم ، والهاء في قوله ( به ) من ذكر الله .
وإنما معنى الكلام : ما لهؤلاء القائلين هذا القول بالله إنه لا يجوز أن يكون له ولد من علم ، فلجهلهم بالله وعظمته قالوا ذلك .
وقوله ( ولا لآبائهم ) يقول : ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل الذي هم عليه اليوم ، كان لهم بالله وبعظمته علم ، وقوله : ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدنيين والكوفيين والبصريين : ( كبرت كلمة ) بنصب كلمة بمعنى : كبرت كلمتهم التي قالوها كلمة على التفسير ، كما يقال : نعم رجلا عمرو ، ونعم الرجل رجلا قام ، ونعم رجلا قام ، وكان [ ص: 596 ] بعض نحويي أهل البصرة يقول : نصبت كلمة لأنها في معنى : أكبر بها كلمة ، كما قال جل ثناؤه ( وساءت مرتفقا ) وقال : هي في النصب مثل قول الشاعر :
ولقد علمت إذا اللقاح تروحت هدج الرئال تكبهن شمالا
أي تكبهن الرياح شمالا فكأنه قال : كبرت تلك الكلمة ، وذكر عن بعض المكيين أنه كان يقرأ ذلك : ( كبرت كلمة ) رفعا ، كما يقال : عظم قولك وكبر شأنك . وإذا قرئ ذلك كذلك لم يكن في قوله ( كبرت كلمة ) مضمر ، وكان صفة للكلمة .
والصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأ : ( كبرت كلمة ) نصبا لإجماع الحجة من القراء عليها ، فتأويل الكلام : عظمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء القوم الذين قالوا : اتخذ الله ولدا ، والملائكة بنات الله .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) قولهم : إن الملائكة بنات الله ، وقوله : ( إن يقولون إلا كذبا ) يقول عز ذكره :
ما يقول هؤلاء القائلون اتخذ الله ولدا بقيلهم ذلك إلا كذبا وفرية افتروها على الله .