[ ص: 597 ] يعني تعالى ذكره بذلك : فلعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) تمردا منهم على ربهم ، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك ، فيصدقوا بأنه من عند الله حزنا وتلهفا ووجدا ، بإدبارهم عنك ، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك . يقال منه : بخع فلان نفسه يبخعها بخعا وبخوعا ، ومنه قول ذي الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
يريد : نحته فخفف .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : ( باخع ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فلعلك باخع نفسك ) يقول : قاتل نفسك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
وأما قوله : ( أسفا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضبا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، [ ص: 598 ] عن قتادة ( إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) قال : غضبا .
وقال آخرون : جزعا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( أسفا ) قال : جزعا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : معناه : حزنا عليهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( أسفا ) قال : حزنا عليهم .
وقد بينا معنى الأسف فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وهذه معاتبة من الله عز ذكره على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم إليه من الإيمان بالله ، والبراءة من الآلهة والأنداد ، وكان بهم رحيما .
وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) يعاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم : أي لا تفعل .
وقوله : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) يقول عز ذكره : إنا جعلنا ما على الأرض زينة للأرض ( لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) يقول : لنختبر عبادنا أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ما على الأرض زينة لها ) قال : ما عليها من شيء . [ ص: 599 ]
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء " .
وأما قوله : ( لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو قولنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو عاصم العسقلاني ، قال : ( لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) قال : أترك لها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) اختبارا لهم أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي .
وقوله : ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يقول عز ذكره : وإنا لمخربوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة ، فمصيروها صعيدا جرزا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس ، وقد قيل : إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع : المستوي بوجه الأرض ، وذلك هو شبيه بمعنى قولنا في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، وبمعنى الجرز ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يقول : يهلك كل شيء عليها ويبيد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( صعيدا جرزا ) قال : بلقعا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله . [ ص: 600 ]
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) والصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) يعني : الأرض إن ما عليها لفان وبائد ، وإن المرجع لإلي ، فلا تأس ، ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله ( صعيدا جرزا ) قال : الجرز : الأرض التي ليس فيها شيء ، ألا ترى أنه يقول : ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا ) قال : والجرز : لا شيء فيها ، لا نبات ولا منفعة ، والصعيد : المستوي . وقرأ : ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : مستوية : يقال : جرزت الأرض فهي مجروزة ، وجرزها الجراد والنعم ، وأرضون أجراز : إذا كانت لا شيء فيها ، ويقال للسنة المجدبة : جرز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة أمطارها ، قال الراجز :
قد جرفتهن السنون الأجراز
يقال : أجرز القوم : إذا صارت أرضهم جرزا ، وجرزوا هم أرضهم : إذا أكلوا نباتها كله .