القول في أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ( 9 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ، فإن ما خلقت من السماوات [ ص: 601 ] والأرض ، وما فيهن من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف ، وحجتي بكل ذلك ثابتة على هؤلاء المشركين من قومك ، وغيرهم من سائر عبادي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) قال محمد بن عمرو في حديثه ، قال : ليسوا عجبا بأعجب آياتنا ، وقال الحارث في حديثه بقولهم : أعجب آياتنا : ليسوا أعجب آياتنا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، قوله : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) كانوا يقولون هم عجب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) يقول : قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) أي وما قدروا من قدر فيما صنعت من أمر الخلائق ، وما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ، فإن الذي آتيتك من العلم والحكمة أفضل منه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) يقول : الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم .
وإنما قلنا : إن القول الأول أولى بتأويل الآية ، لأن الله عز وجل أنزل أصحاب الكهف على نبيه احتجاجا بها على المشركين من قومه على ما ذكرنا [ ص: 602 ] في الرواية عن قصة ابن عباس ، إذ سألوه عنها اختبارا منهم له بالجواب عنها صدقه ، فكان تقريعهم بتكذيبهم بما هو أوكد عليهم في الحجة مما سألوا عنهم ، وزعموا أنهم يؤمنون عند الإجابة عنه أشبه من الخبر عما أنعم الله على رسوله من النعم .
وأما الكهف ، فإنه كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قص الله شأنهم في هذه السورة .
وأما الرقيم ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به ، فقال بعضهم : هو اسم قرية ، أو واد على اختلاف بينهم في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، يحيى بن عبد الأعلى وعبد الرحمن ، قالا ثنا سفيان ، عن الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : يزعم كعب أن الرقيم : القرية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ) قال : الرقيم : واد بين عسفان وأيلة دون فلسطين ، وهو قريب من أيلة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن عطية ، قال : الرقيم : واد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ) كنا نحدث أن الرقيم : الوادي الذي فيه أصحاب الكهف .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عن سماك بن حرب ، عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله ( الرقيم ) قال : يزعم كعب : أنها القرية .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله : ( الرقيم ) قال : يقول بعضهم : الرقيم : كتاب تبانهم ، ويقول بعضهم : هو الوادي الذي فيه كهفهم .
حدثنا عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : أما الكهف : فهو غار الوادي ، [ ص: 603 ] والرقيم : اسم الوادي .
وقال آخرون : الرقيم : الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ) يقول : الكتاب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : ثنا أبي ، عن ابن قيس ، عن سعيد بن جبير ، قال : الرقيم : لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ، ثم وضعوه على باب الكهف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الرقيم : كتاب ، ولذلك الكتاب خبر فلم يخبر الله عن ذلك الكتاب وعنا فيه ، وقرأ : ( وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ) .
وقال آخرون : بل هو اسم جبل أصحاب الكهف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس : الرقيم : الجبل الذي فيه الكهف .
قال أبو جعفر : وقد قيل إن اسم ذلك الجبل : بنجلوس .
حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : وقد قيل : إن اسمه بناجلوس . .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : أخبرني ابن جريج ، وهب بن سليمان عن شعيب الجبثي أن اسم جبل الكهف : بناجلوس . واسم الكهف : حيزم . والكلب : حمران . [ ص: 604 ]
وقد روي عن ابن عباس في الرقيم ما حدثنا به الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كل القرآن أعلمه ، إلا حنانا ، والأواه ، والرقيم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : أخبرني ابن جريج ، أنه سمع عمرو بن دينار ، عكرمة يقول : قال ابن عباس : ما أدري ما الرقيم ، أكتاب ، أم بنيان؟ .
وأولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به : لوح ، أو حجر ، أو شيء كتب فيه كتاب ، وقد قال أهل الأخبار : إن ذلك لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أووا إلى الكهف .
ثم قال بعضهم : رفع ذلك اللوح في خزانة الملك ، وقال بعضهم : بل جعل على باب كهفهم ، وقال بعضهم : بل كان ذلك محفوظا عند بعض أهل بلدهم ، وإنما الرقيم فعيل ، أصله : مرقوم ، ثم صرف إلى فعيل ، كما قيل للمجروح : جريح ، وللمقتول : قتيل ، يقال منه : رقمت كذا وكذا : إذا كتبته ، ومنه قيل للرقم في الثوب رقم ، لأنه الخط الذي يعرف به ثمنه ، ومن ذلك قيل للحية : أرقم ، لما فيه من الآثار ، والعرب تقول : عليك بالرقمة ، ودع الضفة : بمعنى عليك برقمة الوادي حيث الماء ، ودع الضفة الجانبة . والضفتان : جانبا الوادي ، وأحسب أن الذي قال : الرقيم الوادي ، ذهب به إلى هذا ، أعني به إلى رقمة الوادي .