يقول تعالى ذكره : كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف ، فحفظناهم من وصول واصل إليهم ، وعين ناظر أن ينظر إليهم ، وحفظنا أجسامهم من البلاء على طول الزمان ، وثيابهم من العفن على مر الأيام بقدرتنا ، فكذلك بعثناهم من رقدتهم ، وأيقظناهم من نومهم ، لنعرفهم عظيم سلطاننا ، وعجيب فعلنا في خلقنا ، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه من براءتهم من عبادة الآلهة ، وإخلاصهم لعبادة الله وحده لا شريك له ، إذا تبينوا طول الزمان عليهم ، وهم بهيئتهم حين رقدوا ، وقوله : ( ليتساءلوا بينهم ) يقول : ليسأل بعضهم بعضا ( قال قائل منهم كم لبثتم ) يقول عز ذكره : فتساءلوا فقال قائل منهم لأصحابه : ( كم لبثتم ) وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم ( قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) يقول : فأجابه الآخرون فقالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم ، ظنا منهم أن ذلك كذلك كان ، فقال الآخرون : ( ربكم أعلم بما لبثتم ) فسلموا العلم إلى الله .
وقوله : ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ) يعني مدينتهم التي خرجوا منها هرابا ، التي تسمى أفسوس ( فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه ) ذكر أنهم هبوا من رقدتهم جياعا ، فلذلك طلبوا الطعام .
ذكر من قال ذلك ، وذكر السبب الذي من أجله ذكر أنهم بعثوا من رقدتهم حين بعثوا منها :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : أخبرني إسماعيل بن بشروس ، أنه سمع يقول : إنهم غبروا ، يعني الفتية من وهب بن منبه أصحاب الكهف بعد ما بني عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان ، ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف ، فقال : لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر ، فلم يزل يعالجه حتى فتح ما أدخله فيه ، ورد إليهم أرواحهم في أجسامهم من الغد حين أصبحوا ، فبعثوا أحدهم بورق يشتري طعاما ، فلما أتى باب مدينتهم ، رأى شيئا ينكره ، حتى دخل على رجل فقال : بعني بهذه الدراهم طعاما ، فقال : ومن أين لك هذه الدراهم؟ قال : خرجت أنا وأصحاب لي أمس ، فآوانا الليل ، ثم أصبحوا ، فأرسلوني ، فقال : هذه الدراهم كانت على عهد ملك فلان ، فأنى لك بها ، فرفعه إلى الملك ، وكان [ ص: 628 ] ملكا صالحا ، فقال : من أين لك هذه الورق؟ قال : خرجت أنا وأصحاب لي أمس ، حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا ، ثم أمروني أن أشتري لهم طعاما ، قال : وأين أصحابك؟ قال : في الكهف ، قال : فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف ، فقال : دعوني أدخل على أصحابي قبلكم ، فلما رأوه ، ودنا منهم ضرب على أذنه وآذانهم ، فجعلوا كلما دخل رجل أرعب ، فلم يقدروا على أن يدخلوا عليهم ، فبنوا عندهم كنيسة ، اتخذوها مسجدا يصلون فيه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن عكرمة ، قال : كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم ، رزقهم الله الإسلام ، فتعوذوا بدينهم ، واعتزلوا قومهم ، حتى انتهوا إلى الكهف ، فضرب الله على سمعهم ، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم ، وجاءت أمة مسلمة ، وكان ملكهم مسلما ، فاختلفوا في الروح والجسد ، فقال قائل : يبعث الروح والجسد جميعا ، وقال قائل : يبعث الروح ، فأما الجسد فتأكله الأرض ، فلا يكون شيئا ، فشق على ملكهم اختلافهم ، فانطلق فلبس المسوح ، وجلس على الرماد ، ثم دعا الله تعالى فقال : أي رب ، قد ترى اختلاف هؤلاء ، فابعث لهم آية تبين لهم ، فبعث الله أصحاب الكهف ، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما ، فدخل السوق ، فجعل ينكر الوجوه ، ويعرف الطرق ، ويرى الإيمان بالمدينة ظاهرا ، فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلا يشتري منه طعاما ، فلما نظر الرجل إلى الورق أنكرها ، قال : حسبت أنه قال : كأنها أخفاف الربع ، يعني الإبل الصغار ، فقال له الفتى : أليس ملككم فلانا؟ قال : بل ملكنا فلان ، فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك ، فسأله ، فأخبره الفتى خبر أصحابه ، فبعث الملك في الناس ، فجمعهم ، فقال : إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد ، وإن الله قد بعث لكم آية ، فهذا رجل من قوم فلان ، يعني ملكهم الذي مضى ، فقال الفتى : انطلقوا بي إلى أصحابي ، فركب الملك ، وركب معه الناس حتى انتهوا إلى الكهف ، فقال الفتى دعوني أدخل إلى أصحابي ، فلما أبصرهم ضرب على أذنه وعلى آذانهم ، فلما استبطئوه دخل الملك ، ودخل الناس معه ، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئا ، غير أنها لا أرواح فيها ، فقال الملك : هذه آية بعثها الله لكم ، قال قتادة : وعن ابن عباس ، كان قد غزا مع حبيب بن مسلمة ، [ ص: 629 ] فمروا بالكهف ، فإذا فيه عظام ، فقال رجل : هذه عظام أصحاب الكهف ، فقال ابن عباس ، لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلاث مائة سنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما ذكر من حديث أصحاب الكهف ، قال : ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له تيذوسيس ، فلما ملك بقي ملكه ثمانيا وستين سنة ، فتحزب الناس في ملكه ، فكانوا أحزابا ، فمنهم من يؤمن بالله ، ويعلم أن الساعة حق ، ومنهم من يكذب ، فكبر ذلك على الملك الصالح تيذوسيس ، وبكى إلى الله وتضرع إليه ، وحزن حزنا شديدا لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون : لا حياة إلا الحياة الدنيا ، وإنما تبعث النفوس ، ولا تبعث الأجساد ، ونسوا ما في الكتاب ، فجعل تيذوسيس يرسل إلى من يظن فيه خيرا ، وأنهم أئمة في الحق ، فجعلوا يكذبون بالساعة ، حتى كادوا أن يحولوا الناس عن الحق وملة الحواريين ، فلما رأى ذلك الملك الصالح تيذوسيس ، دخل بيته فأغلقه عليه ، ولبس مسحا وجعل تحته رمادا ، ثم جلس عليه ، فدأب ذلك ليله ونهاره زمانا يتضرع إلى الله ، ويبكي إليه مما يرى فيه الناس ، ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد ، أراد أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف ، ويبين للناس شأنهم ، ويجعلهم آية لهم ، وحجة عليهم ، ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن يستجيب لعبده الصالح تيذوسيس ، ويتم نعمته عليه ، فلا ينزع منه ملكه ، ولا الإيمان الذي أعطاه ، وأن يعبد الله لا يشرك به شيئا ، وأن يجمع من كان تبدد من المؤمنين ، فألقى الله في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي به الكهف ، وكان الجبل بنجلوس الذي فيه الكهف لذلك الرجل ، وكان اسم ذلك الرجل أولياس ، أن يهدم البنيان الذي على فم الكهف ، فيبني به حظيرة لغنمه ، فاستأجر عاملين ، فجعلا ينزعان تلك الحجارة ، ويبنيان بها تلك الحظيرة ، حتى نزعا ما على فم الكهف ، حتى فتحا عنهم باب الكهف ، وحجبهم الله من الناس بالرعب ، فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم غاية ما يمكنه أن يدخل من باب الكهف ، ثم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم إلى باب الكهف نائما ، فلما نزعا الحجارة ، وفتحا عليهم باب الكهف ، أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف ، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم ، فسلم [ ص: 630 ] بعضهم على بعض ، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها ، ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا ، كالذي كانوا يفعلون ، لا يرون ، ولا يرى في وجوههم ، ولا أبشارهم ، ولا ألوانهم شيء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا بعشي أمس ، وهم يرون أن ملكهم دقينوس الجبار في طلبهم والتماسهم فلما قضوا صلاتهم كما كانوا يفعلون ، قالوا ليمليخا ، وكان هو صاحب نفقتهم ، الذي كان يبتاع لهم طعامهم وشرابهم من المدينة ، وجاءهم بالخبر أن دقينوس يلتمسهم ، ويسأل عنهم : أنبئنا يا أخي ما الذي قال الناس في شأننا عشي أمس عند هذا الجبار ، وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون ، وقد خيل إليهم أنهم قد ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها ، حتى تساءلوا بينهم ، فقال بعضهم لبعض : ( كم لبثتم ) نياما؟ ( قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ) وكل ذلك في أنفسهم يسير . فقال لهم يمليخا : افتقدتم والتمستم بالمدينة ، وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم ، فتذبحون للطواغيت ، أو يقتلكم ، فما شاء الله بعد ذلك ، فقال لهم مكسلمينا : يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقون ، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله ، ولا تنكروا الحياة التي لا تبيد بعد إيمانكم بالله ، والحياة من بعد الموت ، ثم قالوا ليمليخا : انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها اليوم ، وما الذي نذكر به عند دقينوس ، وتلطف ، ولا يشعرن بنا أحد ، وابتع لنا طعاما فأتنا به ، فإنه قد آن لك ، وزدنا على الطعام الذي قد جئتنا به ، فإنه قد كان قليلا فقد أصبحنا جياعا ، ففعل يمليخا كما كان يفعل ، ووضع ثيابه ، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها ، وأخذ ورقا من نفقتهم التي كانت معهم ، التي ضربت بطابع دقينوس الملك ، فانطلق يمليخا خارجا ، فلما مر بباب الكهف ، رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف . فعجب منها ، ثم مر فلم يبال بها ، حتى أتى المدينة مستخفيا يصد عن الطريق تخوفا أن يراه أحد من أهلها ، فيعرفه ، فيذهب به إلى دقينوس ، ولا يشعر العبد الصالح أن دقينوس وأهل زمانه قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مائة وتسع سنين ، أو ما شاء الله من ذلك ، إذ كان ما بين أن ناموا إلى أن استيقظوا ثلاث مائة وتسع سنين ، فلما رأى يمليخا باب المدينة [ ص: 631 ] رفع بصره ، فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان ، إذا كان ظاهرا فيها ، فلما رآها عجب وجعل ينظر مستخفيا إليها ، فنظر يمينا وشمالا فتعجب بينه وبين نفسه ، ثم ترك ذلك الباب ، فتحول إلى باب آخر من أبوابها ، فنظر فرأى من ذلك ما يحيط بالمدينة كلها ، ورأى على كل باب مثل ذلك ، فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالمدينة التي كان يعرف ، ورأى ناسا كثيرين محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك ، فجعل يمشي ويعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه ، فجعل يعجب بينه وبين نفسه ويقول : يا ليت شعري ، أما هذه عشية أمس ، فكان المسلمون يخفون هذه العلامة ويستخفون بها ، وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلي حالم ، ثم يرى أنه ليس بنائم ، فأخذ كساءه فجعله على رأسه ، ثم دخل المدينة ، فجعل يمشي بين ظهراني سوقها ، فيسمع أناسا كثيرا يحلفون باسم عيسى ابن مريم ، فزاده فرقا ، ورأى أنه حيران ، فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدر المدينة ويقول في نفسه : والله ما أدري ما هذا! أما عشية أمس فليس على الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل ، وأما الغداة فأسمعهم ، وكل إنسان يذكر أمر عيسى لا يخاف ، ثم قال في نفسه : لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف ، أسمع كلام أهلها ولا أعرف أحدا منهم ، والله ما أعلم مدينة قرب مدينتنا ، فقام كالحيران لا يتوجه وجها ، ثم لقي فتى من أهل المدينة ، فقال له : ما اسم هذه المدينة يا فتى؟ قال : اسمها أفسوس ، فقال في نفسه : لعل بي مسا ، أو بي أمر أذهب عقلي ، والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شر فأهلك ، هذا الذي يحدث به يمليخا أصحابه حين تبين لهم ما به ، ثم إنه أفاق فقال : والله لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس لي ، فدنا من الذين يبيعون الطعام ، فأخرج الورق التي كانت معه ، فأعطاها رجلا منهم ، فقال : بعني بهذه الورق يا عبد الله طعاما ، فأخذها الرجل ، فنظر إلى ضرب الورق ونقشها ، فعجب منها ، ثم طرحها إلى رجل من أصحابه ، فنظر إليها ، ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل ، ويتعجبون منها ، ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل ، فلما رآهم يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا ، وجعل يرتعد ويظن أنهم قد فطنوا به وعرفوه ، وأنهم [ ص: 632 ] إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقينوس يسلمونه إليه ، وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرفونه ، فقال لهم وهو شديد الفرق منهم : أفضلوا علي ، فقد أخذتم ورقي فأمسكوا ، وأما طعامكم فلا حاجة لي به ، قالوا له : من أنت يا فتى ، وما شأنك؟ والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين ، فأنت تريد أن تخفيه منا ، فانطلق معنا فأرناه وشاركنا فيه ، نخف عليك ما وجدت ، فإنك إن لا تفعل نأت بك السلطان ، فنسلمك إليه فيقتلك ، فلما سمع قولهم ، عجب في نفسه فقال : قد وقعت في كل شيء كنت أحذر منه ، ثم قالوا : يا فتى إنك والله ما تستطيع أن تكتم ما وجدت ، ولا تظن في نفسك أنه سيخفى حالك ، فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم ، وما يرجع إليهم ، وفرق حتى ما يحير إليهم جوابا ، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطوقوه في عنقه ، ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة ملببا ، حتى سمع به من فيها ، فقيل : أخذ رجل عنده كنز واجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم ، فجعلوا ينظرون إليه ويقولون : والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة ، وما رأيناه فيها قط ، وما نعرفه ، فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم ، مع ما يسمع منهم ، فلما اجتمع عليه أهل المدينة ، فرق ، فسكت فلم يتكلم ، ولو أنه قال إنه من أهل المدينة لم يصدق ، وكان مستيقنا أن أباه وإخوته بالمدينة ، وأن حسبه من أهل المدينة من عظماء أهلها ، وأنهم سيأتونه إذا سمعوا ، وقد استيقن أنه من عشية أمس يعرف كثيرا من أهلها ، وأنه لا يعرف اليوم من أهلها أحدا ، فبينما هو قائم كالحيران ينتظر متى يأته بعض أهله ، أبوه أو بعض إخوته فيخلصه من أيديهم ، إذ اختطفوه فانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها ، وهما رجلان صالحان ، كان اسم أحدهما أريوس ، واسم الآخر أسطيوس ، فلما انطلق به إليهما ، ظن يمليخا أنه ينطلق به إلى دقينوس الجبار ملكهم الذي هربوا منه ، فجعل يلتفت يمينا وشمالا وجعل الناس يسخرون منه ، كما يسخر من المجنون والحيران ، فجعل يمليخا يبكي ، ثم رفع رأسه إلى السماء وإلى الله ، ثم قال : اللهم إله السماوات والأرض ، أولج معي روحا منك اليوم تؤيدني به عند هذا الجبار ، وجعل يبكي ويقول في نفسه : فرق بيني وبين إخوتي ، يا ليتهم يعلمون ما لقيت ، وأني يذهب بي إلى دقينوس الجبار ، فلو أنهم يعلمون ، فيأتون ، فنقوم جميعا بين يدي دقينوس ، فإنا كنا [ ص: 633 ] تواثقنا لنكونن معا ، لا نكفر بالله ولا نشرك به شيئا ، ولا نعبد الطواغيت من دون الله ، فرق بيني وبينهم ، فلن يروني ولن أراهم أبدا ، وقد كنا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا ، يا ليت شعري ما هو فاعل بي؟ أقاتلي هو أم لا؟ ذلك الذي يحدث به يمليخا نفسه فيما أخبر أصحابه حين رجع إليهم .
فلما انتهى إلى الرجلين الصالحين أريوس وأسطيوس ، فلما رأى يمليخا أنه لم يذهب به إلى دقينوس ، أفاق وسكن عنه البكاء ، فأخذ أريوس وأسطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها ، ثم قال أحدهما : أين الكنز الذي وجدت يا فتى ، هذا الورق يشهد عليك أنك قد وجدت كنزا ، فقال لهما يمليخا : ما وجدت كنزا ولكن هذه الورق ورق آبائي ، ونقش هذه المدينة وضربها ، ولكن والله ما أدري ما شأني ، وما أدري ما أقول لكم ، فقال له أحدهما : ممن أنت؟ فقال له يمليخا : ما أدري ، فكنت أرى أني من أهل هذه القرية ، قالوا : فمن أبوك ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه ، فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه ، فقال له أحدهما : أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحق ، فلم يدر يمليخا ما يقول لهم ، غير أنه نكس بصره إلى الأرض ، فقال له بعض من حوله : هذا رجل مجنون ، فقال بعضهم : ليس بمجنون ، ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي ينفلت منكم ، فقال له أحدهما ، ونظر إليه نظرا شديدا : أتظن أنك إذ تتجانن نرسلك ونصدقك بأن هذا مال أبيك ، وضرب هذه الورق ونقشها منذ أكثر من ثلاث مائة سنة؟ وإنما أنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا ، ونحن شمط كما ترى ، وحولك سراة أهل المدينة ، وولاة أمرها ، إني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ، ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدت ، فلما قال ذلك ، قال يمليخا : أنبئوني عن شيء أسألكم عنه ، فإن فعلتم صدقتكم عما عندي ، أرأيتم دقينوس الملك الذي كان في هذه المدينة عشية أمس ما فعل ، فقال له الرجل : ليس على وجه الأرض رجل اسمه دقينوس ، ولم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان ودهر طويل ، وهلكت بعده قرون كثيرة ، فقال له يمليخا : فوالله إني إذا لحيران ، وما هو بمصدق أحد من الناس بما أقول ، والله لقد علمت ، لقد فررنا من الجبار دقينوس ، وإني قد رأيته عشية أمس حين دخل مدينة أفسوس ، ولكن لا أدري أمدينة أفسوس هذه أم لا؟ فانطلقا معي إلى الكهف الذي في جبل بنجلوس أريكم أصحابي ، فلما سمع [ ص: 634 ] أريوس ما يقول يمليخا قال : يا قوم لعل هذه آية من آيات الله جعلها لكم على يدي هذا الفتى ، فانطلقوا بنا معه يرنا أصحابه ، كما قال : فانطلق معه أريوس وأسطيوس ، وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم ، نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم .
ولما رأى الفتية أصحاب الكهف يمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به ، ظنوا أنه قد أخذ فذهب به إلى ملكهم دقينوس الذي هربوا منه ، فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه ، إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل مصعدة نحوهم ، فظنوا أنهم رسل الجبار دقينوس بعث إليهم ليؤتى بهم ، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة ، وسلم بعضهم على بعض ، وأوصى بعضهم بعضا ، وقالوا : انطلقوا بنا نأت أخانا يمليخا ، فإنه الآن بين يدي الجبار دقينوس ينتظر متى نأتيه ، فبينما هم يقولون ذلك ، وهم جلوس بين ظهراني الكهف ، فلم يروا إلا أريوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف ، وسبقهم يمليخا ، فدخل عليهم وهو يبكي ، فلما رأوه يبكي بكوا معه ، ثم سألوه عن شأنه ، فأخبرهم خبره وقص عليهم النبأ كله ، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله ، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس ، وتصديقا للبعث ، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ثم دخل على إثر يمليخا أريوس ، فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة ، فقام بباب الكهف ، ثم دعا رجالا من عظماء أهل المدينة ، ففتح التابوت عندهم ، فوجدوا فيه لوحين من رصاص ، مكتوبا فيهما كتاب ، فقرأهما فوجد فيهما أن مكسلمينا ، ومحسلمينا ، ويمليخا ، ومرطونس ، وكسطونس ، ويبورس ، ويكرونس ، ويطبيونس ، وقالوش ، كانوا فتية هربوا من ملكهم دقينوس الجبار ، مخافة أن يفتنهم عن دينهم ، فدخلوا هذا الكهف ، فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسد عليهم بالحجارة ، وإنا كتبنا شأنهم وقصة خبرهم ، ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم . فلما قرءوه ، عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية للبعث فيهم ، ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ، ثم دخلوا على [ ص: 635 ] الفتية الكهف ، فوجدوهم جلوسا بين ظهرانيه ، مشرقة وجوههم ، لم تبل ثيابهم ، فخر أريوس وأصحابه سجودا ، وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته ، ثم كلم بعضهم بعضا ، وأنبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقينوس ذلك الجبار الذي كانوا هربوا منه ، ثم إن أريوس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح تيذوسيس ، أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله ، جعلها الله على ملكك ، وجعلها آية للعالمين ، لتكون لهم نورا وضياء ، وتصديقا بالبعث ، فاعجل على فتية بعثهم الله ، وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاث مائة سنة ، فلما أتى الملك تيذوسيس الخبر ، قام من المسندة التي كان عليها ، ورجع إليه رأيه وعقله ، وذهب عنه همه ، ورجع إلى الله عز وجل ، فقال : أحمدك اللهم رب السماوات والأرض ، أعبدك ، وأحمدك ، وأسبح لك ، تطولت علي ، ورحمتني برحمتك ، فلم تطفئ النور الذي كنت جعلته لآبائي ، وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك ، فلما نبأ به أهل المدينة ركبوا إليه ، وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس ، فتلقاهم أهل المدينة ، وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف حتى أتوه ، فلما رأى الفتية تيذوسيس ، فرحوا به ، وخروا سجودا على وجوههم ، وقام تيذوسيس قدامهم ، ثم اعتنقهم وبكى ، وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله ويحمدونه ، ويقول : والله ما أشبه بكم إلا الحواريون حين رأوا المسيح ، وقال : فرج الله عنكم ، كأنكم الذي تدعون فتحشرون من القبور ، فقال الفتية لتيذوسيس : إنا نودعك السلام ، والسلام عليكم ورحمة الله ، حفظك الله ، وحفظ لك ملكك بالسلام ، ونعيذك بالله من شر الجن والإنس ، فأمر بعيش من خلر ونشيل إن أسوأ ما سلك في بطن الإنسان أن لا يعلم شيئا إلا كرامة إن أكرم بها ، ولا هوان إن أهين به . فبينما الملك قائم ، إذ رجعوا إلى مضاجعهم ، فناموا ، وتوفى الله أنفسهم [ ص: 636 ] بأمره ، وقام الملك إليهم ، فجعل ثيابه عليهم ، وأمر أن يجعل لكل رجل منهم تابوت من ذهب ، فلما أمسوا ونام ، أتوه في المنام ، فقالوا : إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ، ولكنا خلقنا من تراب وإلى التراب نصير ، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه ، فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج ، فجعلوهم فيه ، وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب ، فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم ، وأمر الملك فجعل كهفهم مسجدا يصلى فيه ، وجعل لهم عيدا عظيما ، وأمر أن يؤتى كل سنة ، فهذا حديث أصحاب الكهف .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : بعثهم الله - يعني الفتية أصحاب الكهف - وقد سلط عليهم ملك مسلم ، يعني على أهل مدينتهم ، وسلط الله على الفتية الجوع ، فقال قائل منهم : ( كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) قال : فردوا علم ذلك إلى الله ، ( قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ) وإذا معهم ورق من ضرب الملك الذي كانوا في زمانه ( فليأتكم برزق منه ) : أي بطعام ( ولا يشعرن بكم أحدا ) . فخرج أحدهم فرأى المعالم متنكرة حتى انتهى إلى المدينة ، فاستقبله الناس لا يعرف منهم أحدا ، فخرج ولا يعرفونه ، حتى انتهى إلى صاحب الطعام ، فسامه بطعامه ، فقال صاحب الطعام : هات ورقك ، فأخرج إليه الورق ، فقال : من أين لك هذا الورق؟ قال : هذه ورقنا وورق أهل بلادنا ، فقال : هيهات هذه الورق من ضرب فلان بن فلان منذ ثلاث مائة وتسع سنين ، أنت أصبت كنزا ، ولست بتاركك حتى أرفعك إلى الملك ، فرفعه إلى الملك ، وإذا الملك مسلم وأصحابه مسلمون ، ففرح واستبشر ، وأظهر لهم أمره ، وأخبرهم خبر أصحابه ، فبعثوا إلى اللوح في الخزانة ، فأتوا به ، فوافق ما وصف من أمرهم ، فقال المشركون : نحن أحق بهم هؤلاء أبناء آبائنا ، وقال المسلمون : نحن أحق بهم ، هم مسلمون منا ، فانطلقوا معه إلى الكهف ، فلما أتوا باب الكهف قال : دعوني حتى أدخل على أصحابي حتى أبشرهم ، فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم ، فدخل فبشرهم ، وقبض الله أرواحهم ، قال : وعمى الله عليهم مكانهم ، فلم يهتدوا ، فقال المشركون : نبني عليهم بنيانا ، فإنهم أبناء آبائنا ، ونعبد الله فيه ، وقال [ ص: 637 ] المسلمون : نحن أحق بهم ، هم منا ، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه ، ونعبد الله فيه .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال : إن الله تعالى بعثهم من رقدتهم ليتساءلوا بينهم كما بينا قبل ، لأن الله عز ذكره ، كذلك أخبر عباده في كتابه ، وإن الله أعثر عليهم القوم الذين أعثرهم عليهم ، ليتحقق عندهم ببعث الله هؤلاء الفتية من رقدتهم بعد طول مدتها بهيئتهم يوم رقدوا ، ولم يشيبوا على مر الأيام والليالي عليهم ، ولم يهرموا على كر الدهور والأزمان فيهم قدرته على بعث من أماته في الدنيا من قبره إلى موقف القيامة يوم القيامة ، لأن الله عز ذكره بذلك أخبرنا ، فقال : ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ) .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض العراقيين ( بورقكم هذه ) بفتح الواو وكسر الراء والقاف . وقرأ عامة قراء الكوفة والبصرة ( بورقكم ) بسكون الراء ، وكسر القاف . وقرأه بعض المكيين بكسر الراء ، وإدغام القاف في الكاف ، وكل هذه القراءات متفقات المعاني ، وإن اختلفت الألفاظ منها ، وهن لغات معروفات من كلام العرب ، غير أن الأصل في ذلك فتح الواو وكسر الراء والقاف ، لأنه الورق ، وما عدا ذلك فإنه داخل عليه طلب التخفيف . وفيه أيضا لغة أخرى وهو الورق ، كما يقال للكبد كبد . فإذا كان ذلك هو الأصل ، فالقراءة به إلي أعجب ، من غير أن تكون الأخريان مدفوعة صحتهما ، وقد ذكرنا الرواية بأن الذي بعث معه بالورق إلى المدينة كان اسمه يمليخا .
وقد : حدثني عبيد الله بن محمد الزهري ، قال : ثنا سفيان ، عن مقاتل ( فابعثوا أحدكم بورقكم هذه ) اسمه يمليخ .
وأما قوله : ( فلينظر أيها أزكى طعاما ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه فلينظر أي أهل المدينة أكثر طعاما .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن عكرمة ( أيها أزكى طعاما ) قال : أكثر . [ ص: 638 ]
وحدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي حصين ، عن عكرمة مثله ، إلا أنه قال : ( أيها أكثر ) .
وقال آخرون : بل معناه : أيها أحل طعاما .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : ( أيها أزكى طعاما ) قال : أحل .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
وقال آخرون : بل معناه : أيها خير طعاما .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( أزكى طعاما ) قال : خير طعاما .
وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب : قول من قال : معنى ذلك : أحل وأطهر ، وذلك أنه لا معنى في اختيار الأكثر طعاما للشراء منه إلا بمعنى إذا كان أكثرهم طعاما ، كان خليقا أن يكون الأفضل منه عنده أوجد ، وإذا شرط على المأمور الشراء من صاحب الأفضل ، فقد أمر بشراء الجيد ، كان ما عند المشتري ذلك منه قليلا الجيد أو كثيرا ، وإنما وجه من وجه تأويل أزكى إلى الأكثر ، لأنه وجد العرب تقول : قد زكا مال فلان : إذا كثر ، وكما قال الشاعر :
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أزكى من ثلاث وأطيب
بمعنى : أكثر ، وذلك وإن كان كذلك ، فإن الحلال الجيد وإن قل ، أكثر من الحرام الخبيث وإن كثر . وقيل : ( فلينظر أيها ) فأضيف إلى كناية المدينة ، والمراد [ ص: 639 ] بها أهلها ، لأن تأويل الكلام : فلينظر أي أهلها أزكى طعاما لمعرفة السامع بالمراد من الكلام ، وقد يحتمل أن يكونوا عنوا بقوله ( أيها أزكى طعاما ) : أيها أحل ، من أجل أنهم كانوا فارقوا قومهم وهم أهل أوثان ، فلم يستجيزوا أكل ذبيحتهم .
وقوله : ( فليأتكم برزق منه ) يقول : فليأتكم بقوت منه تقتاتونه ، وطعام تأكلونه .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ( فليأتكم برزق منه ) قال : بطعام .
وقوله : ( وليتلطف ) يقول : وليترفق في شرائه ما يشتري ، وفي طريقه ودخوله المدينة ( ولا يشعرن بكم أحدا ) يقول : ولا يعلمن بكم أحدا من الناس ، وقوله : ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) يعنون بذلك : دقينوس وأصحابه ، قالوا : إن دقينوس وأصحابه إن يظهروا عليكم ، فيعلموا مكانكم ، يرجموكم شتما بالقول .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن في قوله : ( ابن جريج ، إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) قال : يشتموكم بالقول ، يؤذوكم .
وقوله : ( أو يعيدوكم في ملتهم ) يقول : أو يردوكم في دينهم ، فتصيروا كفارا بعبادة الأوثان
( ولن تفلحوا إذا أبدا ) يقول : ولن تدركوا الفلاح ، وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان ، إذا : أي إن أنتم عدتم في ملتهم أبدا : أيام حياتكم .