يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وتحسب يا محمد هؤلاء الفتية الذين قصصنا عليك قصتهم ، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الذي أووا إليه أيقاظا . والأيقاظ : جمع يقظ ، ومنه قول الراجز :
ووجدوا إخوتهم أيقاظا وسيف غياظ لهم غياظا
[ ص: 624 ]وقوله : ( وهم رقود ) يقول : وهم نيام ، والرقود : جمع راقد ، كالجلوس : جمع جالس ، والقعود : جمع قاعد ، وقوله ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) يقول جل ثناؤه : ونقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرة للجنب الأيمن ، ومرة للجنب الأيسر .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) وهذا التقليب في رقدتهم الأولى ، قال : وذكر لنا أن أبا عياض قال : لهم في كل عام تقليبتان .
حدثت عن يزيد ، قال : أخبرنا سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) قال : لو أنهم لا يقلبون لأكلتهم الأرض .
وقوله : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بقوله : ( وكلبهم باسط ذراعيه ) فقال بعضهم : هو كلب من كلابهم كان معهم ، وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى ، وقال بعضهم : كان إنسانا من الناس طباخا لهم تبعهم .
وأما الوصيد ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : هو الفناء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( بالوصيد ) يقول : بالفناء .
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : بالفناء . [ ص: 625 ]
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( بالوصيد ) قال : بالفناء .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( بالوصيد ) قال : بالفناء . قال : يمسك باب الكهف . ابن جريج
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) يقول : بفناء الكهف .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : ( بالوصيد ) قال : بفناء الكهف .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( بالوصيد ) قال : يعني بالفناء .
وقال آخرون : الوصيد : الصعيد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) يعني فناءهم ، ويقال : الوصيد : الصعيد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن هارون ، عن عنترة ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : الوصيد : الصعيد .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، عن عمرو ، في قوله : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : الوصيد : الصعيد ، التراب .
وقال آخرون : الوصيد الباب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) قال : بالباب ، وقالوا بالفناء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : الوصيد : الباب ، أو فناء الباب حيث يغلق الباب ، وذلك أن الباب يوصد ، وإيصاده : إطباقه وإغلاقه [ ص: 626 ] من قول الله عز وجل : ( إنها عليهم مؤصدة ) وفيه لغتان : الأصيد ، وهي لغة أهل نجد ، والوصيد : وهي لغة أهل تهامة وذكر عن قال : إنها لغة أهل أبي عمرو بن العلاء ، اليمن ، وذلك نظير قولهم : ورخت الكتاب وأرخته ، ووكدت الأمر وأكدته ، فمن قال الوصيد ، قال : أوصدت الباب فأنا أوصده ، وهو موصد ، ومن قال الأصيد ، قال : آصدت الباب فهو مؤصد ، فكان معنى الكلام : وكلبهم باسط ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب ، يحفظ عليهم بابه .
وقوله : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ) يقول : لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم ، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارا ، ( ولملئت منهم رعبا ) يقول :
ولملئت نفسك من اطلاعك عليهم فزعا ، لما كان الله ألبسهم من الهيبة ، كي لا يصل إليهم واصل ، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله ، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه ، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده ، ليعلموا أن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( ولملئت منهم رعبا ) فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله : ( ولملئت ) بمعنى أنه كان يمتلئ مرة بعد مرة . وقرأ ذلك عامة قراء العراق : ( ولملئت ) بالتخفيف ، بمعنى : لملئت مرة ، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .