القول في قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ( 64 ) تأويل قوله تعالى : ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ( 65 ) )
يقول تعالى ذكره : ف ( قال ) موسى لفتاه ( ذلك ) يعني بذلك : نسيانك الحوت ( ما كنا نبغ ) يقول : الذي كنا نلتمس ونطلب ، لأن موسى كان قيل له صاحبك الذي تريده حيث تنسى الحوت .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ذلك ما كنا نبغ ) قال موسى : فذلك حين أخبرت أني واجد خضرا حيث يفوتني الحوت . [ ص: 62 ]
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : حيث يفارقني الحوت .
وقوله : ( فارتدا على آثارهما قصصا ) يقول : فرجعا في الطريق الذي كانا قطعاه ناكصين على أدبارهما يقصان آثارهما التي كانا سلكاهما .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( قصصا ) قال : اتبع موسى وفتاه أثر الحوت ، فشقا البحر راجعين .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، قوله : ( فارتدا على آثارهما قصصا ) قال : اتباع موسى وفتاه أثر الحوت بشق البحر ، وموسى وفتاه راجعان وموسى يعجب من أثر الحوت في البحر ، ودوراته التي غاب فيها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : رجعا عودهما على بدئهما ( فارتدا على آثارهما قصصا )
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قال : ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ) : " أي يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى مدخل الحوت " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : (
وقوله : ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا ) يقول : وهبنا له رحمة من عندنا ( وعلمناه من لدنا علما ) يقول : وعلمناه من عندنا أيضا علما .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( من لدنا علما ) : أي من عندنا علما . وكان سبب سفر موسى صلى الله عليه وسلم وفتاه ، ولقائه هذا العالم الذي ذكره الله في هذا الموضع فيما ذكر ، أن موسى سئل : هل في الأرض ، أعلم منك؟ فقال : لا أو حدثته نفسه بذلك ، فكره ذلك له ، فأراد الله تعريفه أن من عباده في الأرض من هو أعلم منه ، [ ص: 63 ] وأنه لم يكن له أن يحتم على ما لا علم له به ، ولكن كان ينبغي له أن يكل ذلك إلى عالمه .
وقال آخرون : بل كان سبب ذلك أنه سأل الله جل ثناؤه أن يدله على عالم يزداد من علمه إلى علم نفسه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال" : سأل موسى ربه وقال : رب أي عبادك أحب إليك؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني ، قال : فأي عبادك أقضى؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى ، قال : أي رب أي عبادك أعلم؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علم نفسه ، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى ، أو ترده عن ردى ، قال : رب فهل في الأرض أحد؟ قال : نعم ، قال : رب ، فمن هو؟ قال : الخضر ، قال : وأين أطلبه؟
قال : على الساحل عند الصخرة التي ينفلت عندها الحوت ، قال : فخرج موسى يطلبه ، حتى كان ما ذكر الله ، وانتهى إليه موسى عند الصخرة ، فسلم كل واحد منهما على صاحبه ، فقال له موسى : إني أريد أن تستصحبني ، قال : إنك لن تطيق صحبتي ، قال : بلى ، قال : فإن صحبتني ( فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ) . . . إلى قوله : ( لاتخذت عليه أجرا ) قال : فكان قول موسى في الجدار لنفسه ، ولطلب شيء من الدنيا ، وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله ، ( قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) فأخبره بما قال أما السفينة وأما الغلام وأما الجدار ، قال : فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحور ، وليس في الأرض مكان أكثر ماء منه ، قال : وبعث ربك الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره ، فقيل لموسى : كم ترى هذا الخطاف رزأ من هذا الماء؟ قال : ما أقل ما رزأ ، قال : يا موسى فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا [ ص: 64 ] الخطاف من هذا الماء ، وكان موسى قد حدث نفسه أنه ليس أحد أعلم منه ، أو تكلم به ، فمن ثم أمر أن يأتي الخضر .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : خطب موسى بني إسرائيل ، فقال : ما أحد أعلم بالله وبأمره مني ، فأوحى الله إليه أن يأتي هذا الرجل .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة أنه قيل له : إن آية لقيك إياه أن تنسى بعض متاعك ، فخرج هو وفتاه يوشع بن نون ، وتزودا حوتا مملوحا ، حتى إذا كانا حيث شاء الله ، رد الله إلى الحوت روحه ، فسرب في البحر ، فاتخذ الحوت طريقه سربا في البحر ، فسرب فيه ( فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) . . . حتى بلغ ( واتخذ سبيله في البحر عجبا ) فكان موسى اتخذ سبيله في البحر عجبا ، فكان يعجب من سرب الحوت .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما اقتص موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد قد سجى عليه ثوبه فسلم عليه موسى فكشف الرجل عن وجهه الثوب ورد عليه السلام وقال : من أنت؟ قال : موسى ، قال : صاحب بني إسرائيل؟ قال : نعم ، قال : أوما كان لك في بني إسرائيل شغل؟ قال : بلى ، ولكني أمرت أن آتيك وأصحبك ، قال : إنك لن تستطيع معي صبرا ، كما قص الله ، ( حتى ) بلغ فلما ( ركبا في السفينة خرقها ) صاحب موسى ( قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ) يقول : نكرا ( قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن آدم ، سفيان ، عن عن عمرو بن دينار ، سعيد بن جبير ، قال : قلت : إن لابن عباس نوفا يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى ، فقال : كذب عدو الله . حدثنا أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " موسى قام في بني إسرائيل خطيبا فقيل : أي [ ص: 65 ] الناس أعلم؟ فقال : أنا ، فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه ، فقال : بلى عبد لي عند مجمع البحرين ، فقال : يا رب كيف به؟ فقيل : تأخذ حوتا ، فتجعله في مكتل ، ثم قال لفتاه : إذا فقدت هذا الحوت فأخبرني ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا صخرة ، فرقد موسى ، فاضطرب الحوت في المكتل ، فخرج فوقع في البحر ، فأمسك الله عنه جرية الماء ، فصار مثل الطاق ، فصار للحوت سربا وكان لهما عجبا ، ثم انطلقا ، فلما كان حين الغد ، قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله قال : فقال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال : فقال : ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا .
قال : يقصان آثارهما ، قال : فآتيا الصخرة ، فإذا رجل نائم مسجى بثوبه ، فسلم عليه موسى ، فقال : وأنى بأرضنا السلام؟ فقال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم ، قال : يا موسى ، إني على علم من علم الله ; علمنيه الله لا تعلمه ، وأنت على علم من علمه علمكه لا أعلمه ، قال : فإني أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ، قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ، فانطلقا يمشيان على الساحل ، فعرف الخضر ، فحمل بغير نول ، فجاء عصفور ، فوقع على حرفها فنقر ، أو فنقر في الماء ، فقال الخضر لموسى : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار ما نقر أو نقص هذا العصفور من البحر" . أبو جعفر الطبري يشك ، وهو في كتابه نقر ، قال : "فبينما هو إذ لم يفجأه موسى إلا وهو يتد وتدا أو ينزع تختا منها ، فقال له موسى : حملنا بغير نول وتخرقها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت قال : وكانت الأولى من موسى نسيانا ، قال : ثم خرجا فانطلقا يمشيان ، فأبصرا غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ برأسه فقتله ، فقال له موسى : أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟ قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني [ ص: 66 ] عذرا . قال : فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها ، فلم يجدا أحدا يطعمهم ولا يسقيهم ، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ، فأقامه بيده ، قال : مسحه بيده ، فقال له موسى : لم يضيفونا ولم ينزلونا ، لو شئت لاتخذت عليه أجرا ، قال : هذا فراق بيني وبينك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا قصصهم " . إن
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثنا ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن عن الحكم بن عتيبة ، سعيد بن جبير ، قال : جلست فأسند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب ، فقال بعضهم : يا أبا العباس ، إن نوفا ابن امرأة كعب يزعم عن كعب ، أن موسى النبي الذي طلب العالم ، إنما هو موسى بن ميشا ، قال سعيد ، قال ابن عباس : أنوف يقول هذا؟ قال سعيد : فقلت له نعم ، أنا سمعت نوفا يقول ذلك ، قال : أنت سمعته يا سعيد؟ قال : قلت : نعم ، قال : كذب نوف ، ثم قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، قال الفتى وذكر : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا " قال إن موسى هو نبي بني إسرائيل سأل ربه فقال : أي رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني فادللني عليه ، فقال له : نعم في عبادي من هو أعلم منك ، ثم نعت له مكانه ، وأذن له في لقيه ، فخرج موسى معه فتاه ومعه ، حوت مليح ، وقد قيل له : إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك ، فخرج موسى ومعه فتاه ، ومعه ذلك الحوت يحملانه ، فسار حتى جهده السير ، وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ، ماء الحياة ، من شرب منه خلد . ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي ، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي ، فاتخذ سبيله في البحر سربا ، فانطلقا ، فلما جاوزا منقلبه قال موسى : ابن عباس : فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها ، فإذا رجل متلفف في كساء له ، فسلم موسى ، فرد عليه العالم ، ثم قال له : وما جاء بك؟ إن كان لك في قومك لشغل؟ قال له موسى : جئتك لتعلمني مما علمت رشدا ، ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) ، وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك ، فقال موسى : بلى قال : [ ص: 67 ] ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) : أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم ( قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) وإن رأيت ما يخالفني ، ( قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ) وإن أنكرته ( حتى أحدث لك منه ذكرا ) فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، يتعرضان الناس ، يلتمسان من يحملهما ، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها ، فسألا أهلها أن يحملوهما ، فحملوهما ، فلما اطمأنا فيها ، ولجت بهما مع أهلها ، أخرج منقارا له ومطرقة ، ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ، ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ، ثم جلس عليها يرقعها . قال له موسى ورأى أمرا فظع به : ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ) : أي ما تركت من عهدك ( ولا ترهقني من أمري عسرا ) ثم خرجا من السفينة ، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية فإذا غلمان يلعبون خلفها ، فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه ، ولا أثرى ولا أوضأ منه ، فأخذه بيده ، وأخذ حجرا ، قال : فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله ، قال : فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر عليه ، صبي صغير لا ذنب له ( قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس ) أي صغيرة بغير نفس ( لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) : أي قد أعذرت في شأني ( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ) فهدمه ، ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما رآه يصنع من التكليف لما ليس عليه صبر ، فقال : ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا ، وضفناهم فلم يضيفونا ، ثم قعدت في غير صنيعة ، ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عمله ( قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) ، وفي قراءة أبي بن كعب : كل سفينة صالحة ، وإنما عبتها لأرده عنها ، فسلمت حين رأى العيب الذي صنعت بها . [ ص: 68 ] ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ) : أي ما فعلته عن نفسي ( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علما .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : قيل : لم نسمع لفتى موسى يذكر من حديث ، وقد كان معه ، فقال لابن عباس ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال : شرب الفتى من الماء فخلد ، فأخذه العالم فطابق به سفينة ، ثم أرسله في البحر ، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة ، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ) قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر ، فلما استقرت بهم الدار أنزل الله عليه أن ( وذكرهم بأيام الله ) فخطب قومه ، فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة ، وذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم ، وما استخلفهم الله في الأرض ، وقال : كلم الله نبيكم تكليما ، واصطفاني لنفسه ، وأنزل علي محبة منه ، وآتاكم الله من كل ما سألتموه ، فنبيكم أفضل أهل الأرض ، وأنتم تقرءون التوراة ، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا ذكرها ، وعرفها إياهم ، فقال له رجل من بني إسرائيل : هم كذلك يا نبي الله ، قد عرفنا الذي تقول ، فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال : لا فبعث الله جبرئيل إلى موسى عليهما السلام ، فقال : إن الله يقول : وما يدريك أين أضع علمي؟ بلى إن على شط البحر رجلا أعلم منك ، فقال ابن عباس : هو الخضر ، فسأل موسى ربه أن يريه إياه ، فأوحى الله إليه أن ائت البحر ، فإنك تجد على شط البحر حوتا ، فخذه فادفعه إلى فتاك ، [ ص: 69 ] ثم الزم شط البحر ، فإذا نسيت الحوت وهلك منك ، فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب ، فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه ، سأل فتاه عن الحوت ، فقال له فتاه وهو غلامه ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) قال الفتى : لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا ، فأعجب ذلك موسى فرجع حتى أتى الصخرة ، فوجد الحوت يضرب في البحر ، ويتبعه موسى ، وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عن الماء يتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة ، فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر بها فسلم عليه ، فقال الخضر : وعليك السلام ، وأنى يكون هذا السلام بهذه الأرض ، ومن أنت؟ قال : أنا موسى ، فقال له الخضر : أصاحب بني إسرائيل؟ قال : نعم فرحب به ، وقال : ما جاء بك؟ قال : جئتك على أن تعلمني مما علمت رشدا ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا ) قال : لا تطيق ذلك ، قال موسى : ( ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ) قال : فانطلق به وقال له : لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه ، فذلك قوله : ( أحدث لك منه ذكرا ) فركبا في السفينة يريدان البر ، ، فقال له موسى ( فقام الخضر فخرق السفينة أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ) ذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما قطع البحر وأنجاه الله من آل فرعون ، جمع بني إسرائيل ، فخطبهم فقال : أنتم خير أهل الأرض وأعلمهم ، قد أهلك الله عدوكم ، وأقطعكم البحر ، وأنزل عليكم التوراة ، قال : فقيل له : إن هاهنا رجلا هو أعلم منك ، قال : فانطلق هو وفتاه يوشع بن نون يطلبانه ، وتزودا سمكة مملوحة في مكتل لهما ، وقيل لهما : إذا نسيتما ما معكما لقيتما رجلا عالما يقال له الخضر ، فلما أتيا ذلك المكان ، رد الله إلى الحوت روحه ، فسرب له من الجسر حتى أفضى إلى البحر ، ثم سلك فجعل لا يسلك فيه طريقا إلا صار ماء جامدا ، قال : ومضى موسى وفتاه ، يقول الله عز وجل : ( فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ) . . . ثم تلا إلى قوله : [ ص: 70 ] ( وعلمناه من لدنا علما ) فلقيا رجلا عالما يقال له الخضر ، فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " " . إنما سمي الخضر خضرا لأنه قعد على فروة بيضاء ، فاهتزت به خضراء
حدثني العباس بن الوليد ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا الأوزاعي ، قال : ثنا الزهري ، عن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى ، فقال ابن عباس : هو خضر ، فمر بهما أبي بن كعب ، فدعاه ابن عباس فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت قال موسى : ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدنا خضرا ، وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه " . بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال : تعلم مكان أحد أعلم منك؟ قال موسى : لا فأوحى الله إلى موسى : بلى عبدنا خضر ، فسأل موسى السبيل إلى لقيه ، فجعل الله له الحوت آية ، وقيل له : إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه ، فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر ، فقال فتى موسى لموسى :
حدثني محمد بن مرزوق ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا عبد الله بن عمر النميري ، عن قال : سمعت يونس بن يزيد ، الزهري يحدث ، قال : أخبرني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ابن عباس ، أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى ، ثم ذكر نحو حديث العباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .