الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ( 74 ) )

يقول تعالى ذكره : وكم أهلكنا يا محمد قبل هؤلاء القائلين من أهل الكفر للمومنين ، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن ، أي الفريقين خير مقاما ، وأحسن نديا ، مجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء ، وأحسن منهم منظرا وأجمل صورا ، فأهلكنا أموالهم ، وغيرنا صورهم; ومن ذلك قول علقمة بن عبدة :


كميت كلون الأرجوان نشرته لبيع الرئي في الصوان المكعب

[ ص: 241 ]

يعني بالصوان : التخت الذي تصان فيه الثياب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ( أحسن أثاثا ورئيا ) قال : الرئي : المنظر ، والأثاث : المتاع .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : الرئي المنظر .

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله ( أحسن أثاثا ورئيا ) يقول : منظرا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( أحسن أثاثا ورئيا ) الأثاث : المال ، والرئي : المنظر .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله ( أثاثا ورئيا ) قال : الأثاث : أحسن المتاع ، والرئي : قال : المال .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، يقول الله تبارك وتعالى ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ) : أي أكثر متاعا وأحسن منزلة ومستقرا ، فأهلك الله أموالهم ، وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعالى .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله ( أحسن أثاثا ورئيا ) قال : أحسن صورا ، وأكثر أموالا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني [ ص: 242 ] الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أثاثا ) قال : المتاع ( ورئيا ) قال : فيما يرى الناس .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ ، قالا ثنا جرير بن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : الأثاث : المال ، والرئي : المنظر الحسن .

حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ( ورئيا ) : منظرا في اللون والحسن .

حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ( ورئيا ) منظرا في اللون والحسن .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( أحسن أثاثا ورئيا ) قال : الرئي : المنظر ، والأثاث : المتاع ، أحسن متاعا ، وأحسن منظرا .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله : ( أحسن أثاثا ) يعني : المال ( ورئيا ) يعني : المنظر الحسن .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة : "وريا" غير مهموز ، وذلك إذا قرئ كذلك يتوجه لوجهين : أحدهما : أن يكون قارئه أراد الهمزة ، فأبدل منها ياء ، فاجتمعت الياء المبدلة من الهمز والياء التي هي لام الفعل ، فأدغمتا ، فجعلتا ياء واحدة مشددة ليلحقوا ذلك ، إذ كان رأس آية ، بنظائره من سائر رءوس الآيات قبله وبعده; والآخر أن يكون من رويت أروي روية وريا ، وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلام : وكم أهلكنا قبلهم من قرن ، هم أحسن متاعا ، وأحسن نظرا لماله ، ومعرفة لتدبيره ، وذلك أن العرب تقول : ما أحسن رؤية فلان في هذا الأمر إذا كان حسن النظر فيه والمعرفة به . وقرأ ذلك عامة قراء العراق والكوفة والبصرة ( ورئيا ) بهمزها ، بمعنى رؤية العين ، كأنه أراد : أحسن متاعا ومرآة . وحكي عن بعضهم أنه قرأ : أحسن أثاثا وزيا ، بالزاي ، كأنه أراد أحسن متاعا وهيئة ومنظرا ، وذلك أن الزي هو الهيئة والمنظر من قولهم : زييت الجارية ، بمعنى : زينتها وهيأتها . [ ص: 243 ]

قال أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ ( أثاثا ورئيا ) بالراء والهمز ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن معناه : المنظر ، وذلك هو من رؤية العين ، لا من الرؤية ، فلذلك كان المهموز أولى به ، فإن قرأ قارئ ذلك بترك للهمز ، وهو يريد هذا المعنى ، فغير مخطئ في قراءته . وأما قراءته بالزاي فقراءة خارجة ، عن قراءة القراء ، فلا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءتهم ، وإن كان لهم في التأويل وجه صحيح .

واختلف أهل العربية في الأثاث أجمع هو أم واحد ، فكان الأحمر فيما ذكر لي عنه يقول : هو جمع ، واحدتها أثاثة ، كما الحمام جمع واحدتها حمامة ، والسحاب جمع واحدتها سحابة ، وأما الفراء فإنه كان يقول : لا واحد له ، كما أن المتاع لا واحد له . قال : والعرب تجمع المتاع : أمتعة ، وأماتيع ، ومتع . قال : ولو جمعت الأثاث لقلت : ثلاثة آثة وأثث . وأما الرئي فإن جمعه : آراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية