القول في قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( 75 ) تأويل قوله تعالى : ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( 76 ) )
يقول تعالى ذكره : قال العالم لموسى ( ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) على ما ترى من أفعالي التي لم تحط بها خبرا ، قال موسى له : ( إن سألتك عن شيء بعدها ) يقول : بعد هذه المرة ( فلا تصاحبني ) يقول : ففارقني ، فلا تكن لي مصاحبا ( قد بلغت من لدني عذرا ) يقول : قد بلغت العذر في شأني .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة ( من لدني عذرا ) بفتح اللام وضم الدال وتخفيف النون . وقرأه عامة قراء الكوفة والبصرة بفتح اللام وضم الدال وتشديد النون . وقرأه بعض قراء الكوفة بإشمام اللام والضم وتسكين الدال وتخفيف النون ، وكأن الذين شددوا النون طلبوا للنون التي في لدن السلامة من الحركة ، إذ كانت في الأصل ساكنة ، ولو لم تشدد لتحركت ، فشددوها كراهة منهم تحريكها ، كما فعلوا في "من ، وعن" إذا أضافوهما إلى مكنى المخبر عن نفسه ، فشددوهما ، فقالوا مني وعني . وأما الذين خففوها ، فإنهم وجدوا مكنى المخبر عن نفسه في حال الخفض ياء وحدها لا نون معها ، فأجروا ذلك من لدن على حسب ما جرى به كلامهم في ذلك مع سائر الأشياء غيرها .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان فصيحتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء بالقرآن ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن [ ص: 77 ] أعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من فتح اللام وضم الدال وشدد النون ، لعلتين : إحداهما أنها أشهر اللغتين ، والأخرى أن محمد بن نافع البصري حدثنا ، قال : ثنا أمية بن خالد ، قال : ثنا أبو الجارية العبدي ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قد بلغت من لدني عذرا ) مثقلة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (
حدثني عبد الله بن أبي زياد ، قال : ثنا عن حجاج بن محمد ، حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال : "استحيا في الله موسى " .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى ، بدل بن المحبر ، قال : ثنا عباد بن راشد ، قال : ثنا داود ، في قول الله عز وجل ( إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استحيا في الله موسى عندها " .
حدثني عبد الله بن أبي زياد ، قال : ثنا عن حجاج بن محمد ، حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ( مثقلة ) . كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ، فقال ذات يوم : رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال :