يقول - تعالى ذكره - : قال هذا المؤمن الذي أدخل الجنة لأصحابه : ( هل أنتم مطلعون ) في النار ، لعلي أرى قريني الذي كان يقول لي : إنك لمن المصدقين بأنا مبعوثون بعد الممات .
وقوله ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) يقول : فاطلع في النار فرآه في وسط الجحيم . وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو : فقالوا : نعم .
[ ص: 48 ] وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( في سواء الجحيم ) يعني : في وسط الجحيم .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( في سواء الجحيم ) يعني : في وسط الجحيم .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن ، قال ثنا عباد بن راشد ، عن الحسن ، في قوله ( في سواء الجحيم ) يقول : في وسط الجحيم .
حدثنا ابن سنان قال : ثنا عبد الصمد ، قال ثنا عباد بن راشد قال : سمعت الحسن ، فذكر مثله .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا سليمان بن حرب قال : ثنا أبو هلال ، قال : ثنا قتادة ، في قوله ( سواء الجحيم ) قال : وسطها .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : ( هل أنتم مطلعون ) قال : سأل ربه أن يطلعه . قال ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) : أي في وسط الجحيم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن خليد العصري قال : لولا أن الله عرفه إياه ما عرفه ، لقد تغير حبره وسبره بعده . وذكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم ، فقال : ( تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين )
حدثنا ابن بشار قال : ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن عن سعيد بن أبي عروبة ، قتادة ، عن مطرف بن عبد الله ، في قوله ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) قال : والله لولا أنه عرفه ما عرفه ، لقد غيرت [ ص: 49 ] النار حبره وسبره .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله ( السدي هل أنتم مطلعون ) قال : كان ابن عباس يقرؤها : " هل أنتم مطلعونى فاطلع فرآه في سواء الجحيم " قال : في وسط الجحيم .
وهذه القراءة التي ذكرها عن السدي ، ابن عباس ، أنه كان يقرأ في ( مطلعون ) إن كانت محفوظة عنه ، فإنها من شواذ الحروف ، وذلك أن العرب لا تؤثر في المكنى من الأسماء إذا اتصل بفاعل على الإضافة في جمع أو توحيد ، لا يكادون أن يقولوا : أنت مكلمني ولا أنتما مكلماني ولا أنتم مكلموني ولا مكلمونني ، وإنما يقولون أنت مكلمي ، وأنتما مكلماي ، وأنتم مكلمي ، وإن قال قائل منهم ذلك قاله على وجه الغلط توهما به : أنت تكلمني ، وأنتما تكلمانني ، وأنتم تكلمونني ، كما قال الشاعر :
وما أدري وظني كل ظن أمسلمني إلى قومي شراحي
[ ص: 50 ] فقال : مسلمني ، وليس ذلك وجه الكلام ، بل وجه الكلام أمسلمي ، فأما إذا كان الكلام ظاهرا ولم يكن متصلا بالفاعل ، فإنهم ربما أضافوا ، وربما لم يضيفوا . فيقال : هذا مكلم أخاك ، ومكلم أخيك ، وهذان مكلما أخيك ، ومكلمان أخاك ، وهؤلاء مكلمو أخيك ، ومكلمون أخاك ، وإنما تختار الإضافة في المكنى المتصل بفاعل لمصير الحرفين باتصال أحدهما بصاحبه كالحرف الواحد .وقوله ( تالله إن كدت لتردين ) يقول : فلما رأى قرينه في النار قال : تالله إن كدت في الدنيا لتهلكني بصدك إياي عن الإيمان بالبعث والثواب والعقاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله ( السدي إن كدت لتردين ) قال : لتهلكني ، يقال منه : أردى فلان فلانا : إذا أهلكه ، وردي فلان : إذا هلك . كما قال الأعشى .
أفي الطوف خفت علي الردى وكم من رد أهله لم يرم
وقوله ( ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ) يقول : ولولا أن الله أنعم علي بهدايته ، والتوفيق للإيمان بالبعث بعد الموت ، لكنت من المحضرين معك في عذاب الله .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لكنت من المحضرين ) : أي في عذاب الله .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله ( السدي لكنت من المحضرين ) قال : من المعذبين .