قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب .
nindex.php?page=treesubj&link=29013قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا فيه مسألتان :
[ ص: 11 ] الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين أي : الذي له مقاليد السماوات والأرض شرع لكم من الدين ما شرع
لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، ثم بين ذلك بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13أن أقيموا الدين وهو توحيد الله وطاعته ، والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء ، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما . ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسن أحوالها ، فإنها مختلفة متفاوتة ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وقد تقدم القول فيه . ومعنى ( شرع ) أي : نهج وأوضح وبين المسالك . وقد شرع لهم يشرع شرعا أي : سن . والشارع : الطريق الأعظم . وقد شرع المنزل إذا كان على طريق نافذ . وشرعت الإبل إذا أمكنتها من الشريعة . وشرعت الأديم إذا سلخته . وقال
يعقوب : إذا شققت ما بين الرجلين ، قال : وسمعته من أم الحمارس البكرية . وشرعت في هذا الأمر شروعا أي : خضت .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13أن أقيموا الدين ( أن ) في محل رفع ، على تقدير والذي وصى به
نوحا أن أقيموا الدين ، ويوقف على هذا الوجه على
( عيسى ) . وقيل : هو نصب ، أي : شرع لكم إقامة الدين . وقيل : هو جر بدلا من الهاء في ( به ) ، كأنه قال : به أقيموا الدين . ولا يوقف على
عيسى على هذين الوجهين . ويجوز أن تكون ( أن ) مفسرة ، مثل : أن امشوا ، فلا يكون لها محل من الإعراب . .
الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي : ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث الشفاعة الكبير المشهور :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831097ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض . . . وهذا صحيح لا إشكال فيه ، كما أن
آدم أول نبي بغير إشكال ; لأن
آدم لم يكن معه إلا نبوة ، ولم تفرض له الفرائض ولا شرعت له المحارم ، وإنما كان تنبيها على بعض الأمور واقتصارا على ضرورات المعاش ، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء ، واستقر المدى إلى
نوح فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات ، ووظف عليه الواجبات وأوضح له الآداب في الديانات ، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل ويتناصر بالأنبياء - صلوات الله عليهم - واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة ، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا على لسان أكرم الرسل نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان المعنى أوصيناك يا
محمد ونوحا دينا واحدا ، يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة ، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج ، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال ، والزلف إليه بما يرد القلب
[ ص: 12 ] والجارحة إليه ، والصدق والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وتحريم الكفر والقتل والزنى والأذية للخلق كيفما تصرفت ، والاعتداء على الحيوان كيفما دار ، واقتحام الدناءات ، وما يعود بخرم المروآت ؛ فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة ، لم تختلف على ألسنة الأنبياء وإن اختلفت أعدادهم ؛ وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه أي : اجعلوه قائما ، يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا اضطراب ، فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من نكث ؛ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) . واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم . والله أعلم . قال
مجاهد : لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة ، فذلك دينه الذي شرع لهم ، وقاله
الوالبي عن
ابن عباس ، وهو قول
الكلبي . وقال
قتادة : يعني تحليل الحلال وتحريم الحرام . وقال
الحكم : تحريم الأمهات والأخوات والبنات . وما ذكره القاضي يجمع هذه الأقوال ويزيد عليها . وخص
نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لأنهم أرباب الشرائع .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13كبر على المشركين أي : عظم عليهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13ما تدعوهم إليه ) من التوحيد ورفض الأوثان . قال
قتادة : كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله ، وضاق بها إبليس وجنوده ، فأبى الله - عز وجل - إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من ناوأها . ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13الله يجتبي إليه من يشاء ) أي : يختار . والاجتباء الاختيار ، أي : يختار للتوحيد من يشاء . (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13ويهدي إليه من ينيب ) أي : يستخلص لدينه من رجع إليه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14وما تفرقوا ) قال
ابن عباس : يعني
قريشا . (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14إلا من بعد ما جاءهم العلم )
محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي ؛ دليله قوله تعالى في سورة فاطر :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=42وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير يريد نبيا . وقال في سورة البقرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) على ما تقدم بيانه هناك . وقيل : أمم الأنبياء المتقدمين ، فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى ، فآمن قوم وكفر قوم . وقال
ابن عباس أيضا : يعني
أهل الكتاب ، دليله في سورة المنفكين :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=4وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة . فالمشركون قالوا : لم خص بالنبوة!
واليهود حسدوه لما بعث ، وكذا
النصارى . ( بغيهم بينهم ) أي : بغيا من بعضهم على بعض طلبا للرياسة ، فليس تفرقهم لقصور في البيان والحجج ، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14ولولا كلمة سبقت من ربك [ ص: 13 ] في تأخير العقاب عن هؤلاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14إلى أجل مسمى قيل : القيامة ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بل الساعة موعدهم . وقيل : إلى الأجل الذي قضي فيه بعذابهم . (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14لقضي بينهم ) أي : بين من آمن وبين من كفر بنزول العذاب .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14وإن الذين أورثوا الكتاب يريد
اليهود والنصارى . من بعدهم أي : من بعد المختلفين في الحق .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=14لفي شك منه مريب من الذي أوصى به الأنبياء . والكتاب هنا التوراة والإنجيل . وقيل : إن الذين أورثوا الكتاب
قريش . من بعدهم من بعد
اليهود والنصارى . لفي شك من القرآن أو من
محمد . وقال
مجاهد : معنى من بعدهم من قبلهم ، يعني من قبل مشركي
مكة ، وهم
اليهود والنصارى .