وقوله ( تدمر كل شيء بأمر ربها ) : يقول - تعالى ذكره - : تخرب كل شيء ، وترمي بعضه على بعض فتهلكه ، كما قال جرير
وكان لكم كبكر ثمود لما رغا ظهرا فدمرهم دمارا
يعني بقوله : دمرهم : ألقى بعضهم على بعض صرعى هلكى .
وإنما عنى بقوله ( تدمر كل شيء بأمر ربها ) مما أرسلت بهلاكه ؛ لأنها لم تدمر هودا ومن كان آمن به .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا طلق ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا ، فنزع خاتمه .
وقوله ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) يقول : فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا ، فلا يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة ( لا ترى إلا مساكنهم ) بالتاء نصبا ، بمعنى : فأصبحوا لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( لا يرى إلا مساكنهم ) بالياء في ( يرى ) ، ورفع المساكن ، بمعنى : ما وصفت قبل أنه لا [ ص: 130 ] يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم .
وروى ( لا ترى ) بالتاء ، وبأي القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل الحسن البصري المدينة والكوفة قرأ ذلك القارئ فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قرئ قوله ( يرى ) بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قرئ قوله : " ترى" بالتاء وفتحها ، وأما التي حكيت عن الحسن ، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة ، وإنما قبحت لأن العرب تذكر الأفعال التي قبل إلا وإن كانت الأسماء التي بعدها أسماء إناث ، فتقول : ما قام إلا أختك ، ما جاءني إلا جاريتك ، ولا يكادون يقولون : ما جاءتني إلا جاريتك ، وذلك أن المحذوف قبل إلا أحد ، أو شيء ، وأحد ، وشيء يذكر فعلهما العرب ، وإن عني بهما المؤنث ، فتقول : إن جاءك منهن أحد فأكرمه ، ولا يقولون : إن جاءتك ، وكان الفراء يجيزها على الاستكراه ، ويذكر أن المفضل أنشده :
ونارنا لم تر نارا مثلها قد علمت ذاك معد أكرما
فأنث فعل مثل ؛ لأنه للنار ، قال : وأجود الكلام أن تقول : ما رئي مثلها .
وقوله ( كذلك نجزي القوم المجرمين ) يقول - تعالى ذكره - : كما جزينا عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا ، فأهلكناهم بعذابنا ، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا ، إذ تمادوا في غيهم وطغوا على ربهم .