يقول تعالى ذكره : فلينظر هذا الإنسان الكافر المنكر توحيد الله إلى طعامه كيف دبره .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( فلينظر الإنسان إلى طعامه ) وشرابه ، قال : إلى مأكله ومشربه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فلينظر الإنسان إلى طعامه ) آية لهم .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( أنا صببنا الماء صبا ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة بكسر الألف من " أنا " ، على وجه الاستئناف ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " أنا " بفتح الألف ، بمعنى : فلينظر الإنسان إلى أنا ، فيجعل " أنا " في موضع خفض على نية تكرير الخافض ، وقد يجوز أن يكون رفعا إذا فتحت ، بنية طعامه ، ( أنا صببنا الماء صبا ) .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان : فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : ( أنا صببنا الماء صبا ) يقول : أنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالا وصببناه عليها صبا ( ثم شققنا الأرض شقا ) يقول : ثم فتقنا الأرض فصدعناها بالنبات ( فأنبتنا فيها حبا ) يعني : حب الزرع ، وهو كل ما أخرجته الأرض من الحبوب كالحنطة والشعير ، وغير ذلك ( وعنبا ) يقول : وكرم عنب ( وقضبا ) يعني بالقضب : الرطبة ، وأهل مكة يسمون القت القضب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وقضبا ) يقول : الفصفصة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وقضبا ) قال : والقضب : الفصافص .
قال أبو جعفر رحمه الله : الفصفصة : الرطبة . [ ص: 227 ]
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وقضبا ) يعني : الرطبة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : ( وقضبا ) قال : القضب : العلف .
وقوله : ( وزيتونا ) وهو الزيتون الذي منه الزيت ( ونخلا وحدائق غلبا ) وقد بينا أن الحديقة البستان المحوط عليه . وقوله : ( غلبا ) يعني : غلاظا . ويعني بقوله : ( غلبا ) أشجارا في بساتين غلاظ .
والغلب : جمع أغلب ، وهو الغليظ الرقبة من الرجال; ومنه قول : الفرزدق
عوى فأثار أغلب ضيغميا فويل ابن المراغة ما استثارا ؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في البيان عنه ، فقال بعضهم : هو ما التف من الشجر واجتمع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وحدائق غلبا ) قال : الحدائق : ما التف واجتمع .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وحدائق غلبا ) قال : طيبة .
وقال آخرون : الحدائق : نبت الشجر كله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا ابن فضيل ، قال : ثنا عصام ، عن أبيه : الحدائق : نبت الشجر كلها . [ ص: 228 ]
حدثني محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وحدائق غلبا ) قال : الشجر يستظل به في الجنة .
وقال آخرون : بل الغلب : الطوال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( وحدائق غلبا ) يقول : طوالا .
وقال آخرون : هو النخل الكرام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( وحدائق غلبا ) والغلب : النخل الكرام .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( وحدائق غلبا ) قال : النخل الكرام .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وحدائق غلبا ) عظام النخل العظيمة الجذع ، قال : والغلب من الرجال : العظام الرقاب ، يقال : هو أغلب الرقبة : عظيمها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ( حدائق غلبا ) قال : عظام الأوساط .