يقول تعالى ذكره : ( وفاكهة ) ما يأكله الناس من ثمار الأشجار ، والأب : ما تأكله البهائم من العشب والنبات .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، مبارك ، عن الحسن ( وفاكهة ) قال : ما يأكل ابن آدم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وفاكهة ) قال : ما أكل الناس .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وفاكهة ) قال : أما الفاكهة فلكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وفاكهة ) قال : الفاكهة لنا .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا حميد ، قال أنس بن مالك : قرأ عمر ( عبس وتولى ) حتى أتى على هذه الآية ( وفاكهة وأبا ) قال : قد علمنا ما الفاكهة ، فما الأب ؟ ثم أحسبه " شك الطبري " قال : إن هذا لهو التكلف .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قرأ رضى الله عنه ( عمر بن الخطاب عبس وتولى ) فلما أتى على هذه الآية ( وفاكهة وأبا ) قال : قد عرفنا الفاكهة . فما الأب ؟ قال : لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن موسى بن أنس ، عن أنس ، قال : قرأ عمر : ( وفاكهة وأبا ) ومعه عصا في يده ، فقال : ما الأب ، ثم قال : بحسبنا ما قد علمنا ، وألقى العصا من يده .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن خليد بن جعفر ، عن أبي إياس معاوية بن قرة ، عن أنس ، عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن هذا هو التكلف .
قال : وحدثني قتادة ، عن أنس ، عن عمر بنحو هذا الحديث كله .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب قالوا : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت [ ص: 230 ] عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : عد سبعا جعل رزقه في سبعة ، وجعله من سبعة ، وقال في آخر ذلك : الأب : ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس .
حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا ابن فضيل ، قال : ثنا عاصم ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الأب : نبت الأرض مما تأكله الدواب ، ولا يأكله الناس .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا ثنا ابن إدريس ، قال : ثنا عبد الملك ، عن سعيد بن جبير ، قال : عد ابن عباس ، وقال : الأب : ما أنبتت الأرض للأنعام ، وهذا لفظ حديث أبي كريب . وقال أبو السائب في حديثه : قال : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الأب : الكلأ والمرعى كله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، قال : الأب النبات .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش أو غيره ، عن مجاهد ، قال : الأب : المرعى .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد : ( وأبا ) المرعى .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، مبارك ، عن الحسن ( وأبا ) قال : الأب : ما تأكل الأنعام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( وأبا ) قال : الأب : ما أكلت الأنعام .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : أما الأب : فلأنعامكم نعم من الله متظاهرة .
حدثنا ابن بشر ، قال : ثنا عبد الواحد ، قال : ثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : ( وأبا ) قال : الأب : العشب . [ ص: 231 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، وقتادة ، في قوله ( وأبا ) قال : هو ما تأكله الدواب .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وأبا ) يعني : المرعى .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله ( وأبا ) قال : الأب لأنعامنا ، قال : والأب : ما ترعى . وقرأ : ( متاعا لكم ولأنعامكم ) .
قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس عن وعمرو بن الحارث ، ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أنه سمع رضي الله عنه يقول : قال الله : ( عمر بن الخطاب وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ) كل هذا قد علمناه ، فما الأب ؟ ثم ضرب بيده ، ثم قال : لعمرك إن هذا لهو التكلف ، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب ، قال عمر : وما يتبين فعليكم به ، وما لا فدعوه .
وقال آخرون : الأب : الثمار الرطبة .
ذكر من قال ذلك .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( وأبا ) يقول : الثمار الرطبة .
وقوله : ( متاعا لكم ) يقول : أنبتنا هذه الأشياء التي يأكلها بنو آدم متاعا لكم أيها الناس ، ومنفعة تتمتعون بها ، وتنتفعون ، والتي يأكلها الأنعام لأنعامكم ، وأصل الأنعام الإبل ، ثم تستعمل في كل راعية .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، في متاعا لكم ولأنعامكم ) قال : متاعا لكم الفاكهة ، ولأنعامكم العشب . قوله : (
وقوله : ( فإذا جاءت الصاخة ) ذكر أنها اسم من أسماء القيامة ، وأحسبها مأخوذة من قولهم : صاخ فلان لصوت فلان : إذا استمع له ، إلا أن هذا يقال منه : هو مصيخ له ، ولعل الصوت هو الصاخ ، فإن يكن ذلك كذلك ، فينبغي أن يكون قبل ذلك لنفخة الصور . [ ص: 232 ]
ذكر من قال : هو اسم من أسماء القيامة
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فإذا جاءت الصاخة ) قال : هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله ، وحذره عباده .
يوم يفر المرء من أخيه ) يقول : فإذا جاءت الصاخة في هذا اليوم الذي يفر فيه المرء من أخيه . ويعني بقوله : يفر من أخيه : يفر عن أخيه ( وقوله : ( وأمه وأبيه وصاحبته ) يعني : زوجته التي كانت زوجته في الدنيا ( وبنيه ) حذرا من مطالبتهم إياه بما بينه وبينهم من التبعات والمظالم .
وقال بعضهم : معنى قوله : ( يفر المرء من أخيه ) يفر عن أخيه لئلا يراه ، وما ينزل به ، ( لكل امرئ ) يعني : من الرجل وأخيه وأمه وأبيه ، وسائر من ذكر في هذه الآية ( يومئذ ) يعني : يوم القيامة إذا جاءت الصاخة يوم القيامة ( شأن يغنيه ) يقول : أمر يغنيه ، ويشغله عن شأن غيره .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) أفضي إلى كل إنسان ما يشغله عن الناس .
حدثنا أبو عمارة المروزي الحسين بن حريث ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس قال : عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به ، قال : " إن كان عندي منه علم " قالت : يا نبي الله ؟ قال : " حفاة عراة " ، ثم انتظرت ساعة فقالت : يا نبي الله كيف يحشر النساء ؟ قال : " كذلك حفاة عراة " ، قالت : واسوأتاه من يوم القيامة ، قال : " وعن ذلك تسأليني ؟ إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا " ، قالت : أي آية هي يا نبي الله ؟ قال : ( كيف يحشر الرجال لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) . سألت
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) قال : شأن قد شغله عن صاحبه .
وقوله : ( وجوه يومئذ مسفرة ) يقول تعالى ذكره : وجوه يومئذ مشرقة مضيئة ، وهي وجوه المؤمنين الذين قد رضي الله عنهم ، يقال : أسفر وجه فلان : إذا [ ص: 233 ] حسن ، ومنه أسفر الصبح : إذا أضاء ، وكل مضيء فهو مسفر ، وأما سفر بغير ألف ، فإنما يقال للمرأة إذا ألقت نقابها عن وجهها أو برقعها ، يقال : قد سفرت المرأة عن وجهها إذا فعلت ذلك فهي سافر; ومنه قول توبة بن الحمير :
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها
يعني بقوله : " سفورها " القاءها برقعها عن وجهها .
( ضاحكة ) يقول : ضاحكة من السرور بما أعطاها الله من النعيم والكرامة ( مستبشرة ) لما ترجو من الزيادة .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( مسفرة ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( مسفرة ) يقول : مشرقة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ) قال : هؤلاء أهل الجنة .
وقوله : ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ) يقول تعالى ذكره : ( ووجوه ) وهي وجوه الكفار يومئذ عليها غبرة . ذكر أن البهائم التي يصيرها الله ترابا يومئذ بعد القضاء بينها ، يحول ذلك التراب غبرة في وجوه أهل الكفر ( ترهقها قترة ) يقول : يغشى تلك الوجوه قترة ، وهي الغبرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 234 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ترهقها قترة ) يقول : تغشاها ذلة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ترهقها قترة ) قال : هذه وجوه أهل النار; قال : والقترة من الغبرة ، قال : وهما واحد ، قال : فأما في الدنيا فإن القترة : ما ارتفع ، فلحق بالسماء ، ورفعته الريح ، تسميه العرب القترة ، وما كان أسفل في الأرض فهو الغبرة .
وقوله : ( أولئك هم الكفرة الفجرة ) يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم يوم القيامة هم الكفرة بالله ، كانوا في الدنيا الفجرة في دينهم ، لا يبالون ما أتوا به من معاصي الله ، وركبوا من محارمه ، فجزاهم الله بسوء أعمالهم ما أخبر به عباده .
آخر تفسير سورة عبس .