القول في فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فمن اضطر " ، فمن حلت به ضرورة مجاعة إلى ما حرمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله - وهو بالصفة التي وصفنا - فلا إثم عليه في أكله إن أكله . [ ص: 322 ]
وقوله : فمن " اضطر " " افتعل " من " الضرورة " .
و" غير باغ " نصب على الحال من" من " ، فكأنه . قيل : فمن اضطر لا باغيا ولا عاديا فأكله ، فهو له حلال .
وقد قيل : إن معنى قوله : " فمن اضطر " ، فمن أكره على أكله فأكله ، فلا إثم عليه .
ذكر من قال ذلك :
2478 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن سالم الأفطس عن مجاهد قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : الرجل يأخذه العدو فيدعونه إلى معصية الله .
وأما قوله : " غير باغ ولا عاد " ، فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون .
فقال بعضهم : يعني بقوله : " غير باغ " ، غير خارج على الأئمة بسيفه باغيا عليهم بغير جور ، ولا عاديا عليهم بحرب وعدوان ، فمفسد عليهم السبيل .
ذكر من قال ذلك :
2479 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير قاطع سبيل ، ولا مفارق جماعة ، ولا خارج في معصية الله ، فله الرخصة .
2480 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، يقول : لا قاطعا للسبيل ، ولا مفارقا للأئمة ، ولا خارجا في معصية الله ، فله الرخصة . ومن خرج باغيا أو عاديا في معصية الله ، فلا رخصة له وإن اضطر إليه .
2481 - حدثنا قال : حدثنا هناد بن السري شريك ، عن سالم عن سعيد : " غير باغ ولا عاد " قال : هو الذي يقطع الطريق ، فليس له رخصة [ ص: 323 ] إذا جاع أن يأكل الميتة ، وإذا عطش أن يشرب الخمر .
2482 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك عن سالم - يعني الأفطس - عن سعيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : الباغي العادي الذي يقطع الطريق ، فلا رخصة له ولا كرامة .
2483 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم عن سعيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : إذا خرج في سبيل من سبل الله فاضطر إلى شرب الخمر شرب ، وإن أكل . وإذا خرج يقطع الطريق ، فلا رخصة له . اضطر إلى الميتة
2484 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني ، عن حفص بن غياث الحجاج ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد قال : " غير باغ " على الأئمة ، " ولا عاد " قال : قاطع السبيل .
2485 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير قاطع السبيل ، ولا مفارق الأئمة ، ولا خارج في معصية الله فله الرخصة .
2486 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن الحكم عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ على الأئمة ، ولا عاد على ابن السبيل .
وقال آخرون في تأويل قوله : " غير باغ ولا عاد " : غير باغ الحرام في أكله ، ولا معتد الذي أبيح له منه .
ذكر من قال ذلك .
2487 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا ، عن يزيد بن زريع سعيد [ ص: 324 ] عن قتادة قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ في أكله ، ولا عاد : أن يتعدى حلالا إلى حرام ، وهو يجد عنه مندوحة .
2488 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ فيها ولا معتد فيها بأكلها ، وهو غني عنها .
2489 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن سمع الحسن يقول ذلك .
2490 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثنا أبو تميلة عن أبي حمزة ، عن جابر عن مجاهد وعكرمة قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، " غير باغ " يبتغيه ، " ولا عاد " : يتعدى على ما يمسك نفسه .
2491 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، يقول : من غير أن يبتغي حراما ويتعداه ، ألا ترى أنه يقول : ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ سورة المؤمنون : 7\ سورة المعارج : 31 ]
2492 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : أن يأكل ذلك بغيا وتعديا عن الحلال إلى الحرام ، ويترك الحلال وهو عنده ، ويتعدى بأكل هذا الحرام . هذا التعدي . ينكر أن يكونا مختلفين ، ويقول : هذا وهذا واحد!
وقال آخرون تأويل ذلك : فمن اضطر غير باغ في أكله شهوة ، ولا عاد فوق ما لا بد له منه .
ذكر من قال ذلك :
2493 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 325 ] أسباط عن : " السدي فمن اضطر غير باغ ولا عاد " . أما " باغ " ، فيبغي فيه شهوته . وأما " العادي " ، فيتعدى في أكله ، يأكل حتى يشبع ، ولكن يأكل منه قدر ما يمسك به نفسه حتى يبلغ به حاجته .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : فمن اضطر غير باغ بأكله ما حرم عليه من أكله ، ولا عاد في أكله ، وله عن ترك أكله - بوجود غيره مما أحله الله له - مندوحة وغنى .
وذلك أن الله تعالى ذكره لم يرخص لأحد في قتل نفسه بحال . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا شك أن الخارج على الإمام والقاطع الطريق ، وإن كانا قد أتيا ما حرم الله عليهما : من خروج هذا على من خرج عليه ، وسعي هذا بالإفساد في الأرض ، فغير مبيح لهما فعلهما ما فعلا مما حرم الله عليهما - ما كان حرم الله عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك - من قتل أنفسهما . [ وردهما إلى محارم الله عليهما بعد فعلهما ما فعلا وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصا لهما قبل ذلك من فعلهما ، وإن لم نر ردهما إلى محارم الله عليهما تحريما ، فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما ] . فإذ كان ذلك كذلك ، والرجوع إلى ما ألزمهما الله الرجوع إليه ، والتوبة من معاصي الله - لا قتل أنفسهما بالمجاعة ، فيزدادان إلى إثمهما إثما ، وإلى خلافهما أمر الله خلافا . [ ص: 326 ] فالواجب على قطاع الطريق والبغاة على الأئمة العادلة ، الأوبة إلى طاعة الله
وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه غير باغ في أكله شهوة ، فأكل ذلك شهوة ، لا لدفع الضرورة المخوف منها الهلاك - مما قد دخل فيما حرمه الله عليه - فهو بمعنى ما قلنا في تأويله ، وإن كان للفظه مخالفا .
فأما توجيه تأويل قوله : " ولا عاد " ، ولا آكل منه شبعة ، ولكن ما يمسك به نفسه ، فإن ذلك بعض معاني الاعتداء في أكله . ولم يخصص الله من معاني الاعتداء في أكله معنى ، فيقال عنى به بعض معانيه .
فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول ما قلنا : من أنه الاعتداء في كل معانيه المحرمة .
وأما تأويل قوله : " فلا إثم عليه " ، يقول : من أكل ذلك على الصفة التي وصفنا ، فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك ولا حرج .