القول في تأويل ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ) قوله - تعالى ذكره - (
قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله ذلك ما ذكر في هذه الآية من نهي أولياء المرأة عن عضلها عن النكاح ، يقول : فهذا الذي نهيتكم عنه من عضلهن عن النكاح عظة مني من كان منكم أيها الناس يؤمن بالله واليوم الآخر - يعني يصدق بالله ، فيوحده ، ويقر بربوبيته ، " واليوم الآخر " يقول : ومن يؤمن باليوم الآخر ، فيصدق بالبعث للجزاء والثواب والعقاب ؛ ليتقي الله في نفسه فلا يظلمها بضرار وليته ومنعها من نكاح من رضيته لنفسها ، ممن أذنت لها في نكاحه .
قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " ذلك يوعظ به " وهو [ ص: 28 ] خطاب لجميع ، وقد قال من قبل : " فلا تعضلوهن " ؟ وإذا جاز أن يقال في خطاب الجميع " ذلك " أفيجوز أن تقول لجماعة من الناس وأنت تخاطبهم : " أيها القوم ، هذا غلامك ، وهذا خادمك " وأنت تريد : هذا خادمكم ، وهذا غلامكم ؟
قيل : لا إن ذلك غير جائز مع الأسماء الموضوعات ؛ لأن ما أضيف له الأسماء غيرها ، فلا يفهم سامع سمع قول قائل لجماعة : " أيها القوم ، هذا غلامك " أنه عنى بذلك هذا غلامكم - إلا على استخطاء الناطق في منطقه ذلك . فإن طلب لمنطقه ذلك وجها في الصواب صرف كلامه ذلك إلى أنه انصرف عن خطاب القوم بما أراد خطابهم به إلى خطاب رجل واحد منهم أو من غيرهم ، وترك مجاوزة القوم بما أراد مجاوزتهم به من الكلام . وليس ذلك كذلك في " ذلك " لكثرة جري ذلك على ألسن العرب في منطقها وكلامها ، حتى صارت " الكاف " - التي هي كناية اسم المخاطب فيها - كهيئة حرف من حروف الكلمة التي هي متصلة . وصارت الكلمة بها كقول القائل : " هذا " كأنها ليس معها اسم مخاطب . فمن قال : " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " أقر " الكاف " من " ذلك " موحدة مفتوحة في خطاب الواحدة من النساء ، والواحد من الرجال ، والتثنية ، والجمع . ومن قال : " ذلكم يوعظ به " كسر " الكاف " في خطاب الواحدة من النساء ، وفتح في خطاب الواحد من الرجال ، فقال في خطاب الاثنين [ ص: 29 ] منهم : " ذلكما " وفي خطاب الجمع " ذلكم " .
وقد قيل : إن قوله : " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله " خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك وحد ثم رجع إلى خطاب المؤمنين بقوله : " من كان منكم يؤمن بالله " . وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه لم يكن فيه مؤونة .