الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 232 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله " ذلكم " نكاحهن أزواجهن ، ومراجعة أزواجهن إياهن بما أباح لهن من نكاح ومهر جديد " أزكى لكم " أيها الأولياء والأزواج والزوجات .

ويعني بقوله : " أزكى لكم " أفضل وخير عند الله من فرقتهن أزواجهن . وقد دللنا فيما مضى على معنى " الزكاة " فأغنى ذلك عن إعادته .

وأما قوله : " وأطهر " فإنه يعني بذلك : أطهر لقلوبكم وقلوبهن وقلوب أزواجهن من الريبة . وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما - أعني الزوج والمرأة - علاقة حب ، لم يؤمن أن يتجاوزا ذلك إلى غير ما أحله الله لهما ، [ ص: 30 ] ولم يؤمن من أوليائهما أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا منه بريئين . فأمر الله - تعالى ذكره - الأولياء إذا أراد الأزواج التراجع بعد البينونة بنكاح مستأنف في الحال التي أذن الله لهما بالتراجع أن لا يعضل وليته عما أرادت من ذلك ، وأن يزوجها ؛ لأن ذلك أفضل لجميعهم ، وأطهر لقلوبهم مما يخاف سبوقه إليها من المعاني المكروهة .

ثم أخبر - تعالى ذكره - عباده أنه يعلم من سرائرهم وخفيات أمورهم ما لا يعلمه بعضهم من بعض ، ودلهم بقوله لهم ذلك في هذا الموضع أنه إنما أمر أولياء النساء بإنكاح من كانوا أولياءه من النساء إذا تراضت المرأة والزوج الخاطب بينهم بالمعروف ، ونهاهم عن عضلهن عن ذلك لما علم مما في قلب الخاطب والمخطوب من غلبة الهوى والميل من كل واحد منهما إلى صاحبه بالمودة والمحبة . فقال لهم - تعالى ذكره - : افعلوا ما أمرتكم به إن كنتم تؤمنون بي ، وبثوابي وبعقابي في معادكم في الآخرة ، فإني أعلم من قلب الخاطب والمخطوبة ما لا تعلمونه من الهوى والمحبة . وفعلكم ذلك أفضل لكم عند الله ولهم ، وأزكى وأطهر لقلوبكم وقلوبهن في العاجل .

التالي السابق


الخدمات العلمية