القول في ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ( 8 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أن الراسخين في العلم يقولون : آمنا بما تشابه من آي كتاب الله ، وأنه والمحكم من آيه من تنزيل ربنا ووحيه . ويقولون أيضا : " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " يعني أنهم يقولون رغبة منهم إلى ربهم في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه آي القرآن ، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الذي لا يعلمه غير الله : يا ربنا ، لا تجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الحق فصدوا عن سبيلك " لا تزغ قلوبنا " [ ص: 212 ] لا تملها فتصرفها عن هداك بعد إذ هديتنا له ، فوفقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه " وهب لنا " يا ربنا " من لدنك رحمة " يعني : من عندك رحمة ، يعني بذلك : هب لنا من عندك توفيقا وثباتا للذي نحن عليه من الإقرار بمحكم كتابك ومتشابهه " إنك أنت الوهاب " يعني : إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك ، وتصديق كتابك ورسلك ، كما : -
6649 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " أي : لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا " وهب لنا من لدنك رحمة " .
قال أبو جعفر : وفي مدح الله - جل ثناؤه - هؤلاء القوم بما مدحهم به من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم ، وأن يعطيهم رحمة منه معونة لهم للثبات على ما هم عليه من حسن البصيرة بالحق الذي هم عليه مقيمون ما أبان عن خطأ قول الجهلة من القدرية : أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته وإمالته له عنها جور . لأن ذلك لو كان كما قالوا ، لكان الذين قالوا : " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " بالذم أولى منهم بالمدح . لأن القول لو كان كما قالوا ، لكان القوم إنما سألوا ربهم بمسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم أن لا يظلمهم ولا يجور عليهم . وذلك من السائل جهل ، لأن . وقد أعلم عباده ذلك ونفاه عن نفسه بقوله : [ ص: 213 ] ( الله - جل ثناؤه - لا يظلم عباده ولا يجور عليهم وما ربك بظلام للعبيد ) [ سورة فصلت : 46 ] . ولا وجه لمسألته أن يكون بالصفة التي قد أخبرهم أنه بها . وفي فساد ما قالوا من ذلك الدليل الواضح على أن عدلا من الله - عز وجل - إزاغة من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته ، فلذلك استحق المدح من رغب إليه في أن لا يزيغه ، لتوجيهه الرغبة إلى أهلها ، ووضعه مسألته موضعها ، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برغبته إلى ربه في ذلك ، مع محله منه وكرامته عليه .
6650 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن وكيع عبد الحميد بن بهرام عن عن شهر بن حوشب أم سلمة : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " إلى آخر الآية . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ! ثم قرأ : "
6651 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن وكيع عبد الحميد بن بهرام عن عن شهر بن حوشب أسماء ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحوه . [ ص: 214 ]
6652 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري قال : سمعت شهر بن حوشب أم سلمة تحدث : ؟ قال : نعم ، ما خلق الله من بني القلب ليقلب آدم من بشر إلا وقلبه بين إصبعين من أصابعه ، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه ، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب . قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال : بلى; قولي : اللهم رب النبي محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن . [ ص: 215 ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ! قالت : قلت : يا رسول الله ، وإن
6653 - حدثني قال : حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال : حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : وحرك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . فقال له بعض أهله : يخاف علينا وقد آمنا بك وبما جئت به ؟ ! قال : إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن تبارك وتعالى ، يقول بهما هكذا أبو أحمد إصبعيه قال أبو جعفر : وإن الطوسي وسق بين إصبعيه . [ ص: 216 ]
6654 - حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال : . [ ص: 217 ] كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قلنا : يا رسول الله ، قد آمنا بك ، وصدقنا بما جئت به ، فيخاف علينا ؟ ! قال : نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله ، يقلبها تبارك وتعالى
6655 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا بشر بن بكر وحدثني علي بن سهل قال : حدثنا أيوب بن بشر جميعا ، عن ابن جابر قال : سمعت بسر بن عبيد الله قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سمعان الكلابي قال : يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة . والميزان بيد الرحمن ، [ ص: 218 ] سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن : إن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك -
6656 - حدثني عمر بن عبد الملك الطائي قال : حدثنا محمد بن عبيدة قال : حدثنا الجراح بن مليح البهراني عن الزبيدي عن جويبر عن سمرة بن فاتك الأسدي - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : . [ ص: 219 ] الموازين بيد الله ، يرفع أقواما ويضع أقواما ، وقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أزاغه ، وإذا شاء أقامه
6657 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال أخبرنا ابن المبارك عن [ ص: 220 ] حيوة بن شريح قال أخبرني أبو هانئ الخولاني : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : عبد الله بن عمرو بن العاص . إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يصرف كيف يشاء . ثم يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك
6658 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال : حدثنا قال : سمعت شهر بن حوشب أم سلمة تحدث : . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم ثبت قلبي على دينك . قالت : قلت : يا رسول الله ، وإن القلوب لتقلب ؟ قال : نعم ، ما من خلق الله من بني آدم بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من أصابع الله ، إن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه ، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب